ولا يبعد أن يقال : إنّه ما جمع بين وصفي الاعتماد والرواية عن المعصوم بلا واسطة ، كما يشير إليه قولهم في كثير من التراجم له كتاب معتمد وكتب معتمدة ، كالحسين بن سعيد وأضرابه ، مع أنّ أكثر المعتمدين وجلّ المعتبرين لم يدرجوا في أصحاب الاصول ، وإن بلغوا الغاية في ذلك ، بل وإن كانوا من أصحاب الإجماع كزرارة و ... فهذا يشير إلى أنّه ليس كلّ كتاب معتمد أصلا ، وممّا يؤيّد أن معنى الأصل قد أخذ فيه وصف الاعتماد أنّك لا ترى بالاستقراء أحدا من أهل الاصول رمى بالضّعف أصلا ، إلّا شاذا شديد الشّذوذ ، كالحسن بن صالح بن حسن ، الخ.
أقول : هل بين الأصل والكتاب فرق معنوي أم لا بل تسمية عدّة من الكتب بالأصل مجرّد اصطلاح؟ وعلى الأوّل ما هو حقيقة هذا الفرق؟ شيئان لم يثبتا عندي بدليل معتبر. (١) وكلّ ما ذكره هذا الفاضل وغيره في وجه الفرق بينهما ظن ، واحتمال لا يبلغ الاطمئنان ، وعليه حال الرّوايات المنقولة من الاصول حال الرّوايات المنقولة من الكتب ، وحال أصحاب الاصول حال أرباب الكتب.
وقال العلّامة المجلسي في محكي أربعينه : بل كانت الاصول المعتبرة الأربعمائة أظهر من الشّمس في رابعة النّهار.
أقول : إنّ سلّمنا هذه الأظهريّة بالنسبة إلى جميع الاصول المذكورة (٢) لا نسلّم أظهريّة كلّ واحدة من رواياتها حتّى لا نحتاج إلى حال الراوي ، كما نحتاج إليه في تصحيح روايات الكتب الأربعة مع أظهريتها من الشّمس في رابعة النّهار عندنا.
قال الشّهيد الثّاني في محكي شرح دراية الحديث :
|
قد كان استقرار المتقدّمين على أربعمائة مصنّف سمّوها أصولا ، عليها اعتمادهم ... وأحسن ما جمع منها الكافي ، والتهذيب ، والاستبصار ، ومن لا يحضره الفقيه. |
أقول : اعتمادهم عليها كاعتمادنا على الكتب الأربعة غير المنافي لضعف بعض رواياتها ، وهذا هو المعلوم من طريقة الشّهيد الثّاني في الفقه أيضا.
__________________
(١) قال الشّيخ في أوّل فهرسته : عمدت إلى كتاب يشتمل على ذكر المصنّفات والاصول ، ولم أفرد أحدهما عن الآخر لئلا يطول الكتابان ؛ لأنّ في المصنفين من له أصل.
أقول : ويحتمل أنّ الأصل هو الكتاب المشتمل على الرّوايات المسموعة عن المعصوم ، أو عن الرّاوي من دون نقلها عن كتاب ، لكنّه مجرّد احتمال.
(٢) بل ربّما يثبت خلاف ذلك ، قال الشّيخ في ترجمة زيد الزراد وزيد النرسي في فهرسته : ٩٧ : لهما أصلان لم يروهما محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه. وقال في فهرسته : لم يروهما محمّد بن الحسن الوليد ، وكان يقول هما موضوعان ... وكان يقول وضع هذه الاصول محمّد بن موسى الهمداني.
وللمحدّث النوري حول ردّ الوضع المذكور كلام طويل في : خاتمة مستدركه : ٣ / ٣٠١.