وليس معنى اعتبار الكتب والاصول ، صحّة كلّ واحدة من رواياتها ، ووثاقة رواتها كما أشرنا إليه في بعض البحوث السّابقة أيضا ، فحال تلك الكتب والأصول عند الكليني ، حال الكتب الأربعة عندنا.
وثانيا : بما أشار إليه السّيد ابن طاووس وبحر العلوم رحمهماالله في سابق كلامهما من وقوع تأليف الكافي في زمان الغيبة الصغرى وحضور السفراء.
يقول النوري بعد نقل كلام ابن طاووس السّابق : ونتيجة ما ذكره من المقدّمات عرض الكتاب على أحدهم ـ أي : السفراء ـ وإمضائه وحكمه بصحّته وهو عين إمضاء الإمام عليهالسلام وحكمه ... وهذا وإن كان حدسا غير قطعي يصيب ويخطيء ، ولا يجوز التشبّث به في المقام إلّا أنّ التأمّل في مقدّماته يورث الظّنّ القوي والاطمئنان التّام (١) والوثوق بما ذكره.
... فمن البعيد غاية البعد أنّه رحمهالله في طول مدّة تأليفه ، وهي عشرون سنة لم يعلمهم (النّواب) بذلك ، ولم يعرضه عليهم مع ما كان بينهم من المخالطة والمعاشرة. وليس غرضي من ذلك تصحيح الخبر الشّائع من أنّ هذا الكتاب عرض على الحجّة عليهالسلام ، فقال : إنّ هذا كاف لشيعتنا ، فانّه لا أصل له ولا أثر له في مؤلّفات أصحابنا ، بل صرّح بعدمه المحدّث الأسترأبادي ...
أقول : إذا فرضنا الكليني معتقدا بصحّة روايات كتابه ، لا ملزم لسؤاله عن صحتّها عن أحد النوّاب على أنّه لو أمضاه الإمام أو أخبر بصحته بتوسط نائبة الخاصّ ؛ لشاع وذاع ونقل إلينا ولو بخبر واحد ضعيف ، وحيث لا فلا ، مع أنّه لو حصل الظّنّ منه لا يغني من الحقّ شيئا.
على أنّ هذا الوجه لو تمّ ، لدلّ على اعتبار جميع المؤلّفات في زمن الأئمّة عليهمالسلام بطريق أولى إذا كان مؤلفّوها ثقات.
وثالثا : بما ذكره النجّاشي من أنّه أوثق الناس في الحديث ، وقد قيل في حقّ جمع من الرّواة أنّهم رووا عن الثّقات ، وقد ذكروا في ترجمة جماعة أنّهم صحيح الحديث ، وقد مرّ أنّ معناه وثاقة جميع من يروون عنهم ، فيكون الكليني كذلك بطريق أولى.
وقد فصّل النوري رحمهالله هذا الوجه بنحو خرج عن حدّ الإنصاف ، وبني قوله على الاعتساف ، والحقّ أنّ ما ذكره ضعيف جدّا ، ولا داعى للجواب عنه تفصيلا ، فإنّه من إضاعة الوقت.
وبالجملة : القول بكون روايات الكافي قطعية الصدور ، والقول بأنّها موثوق
__________________
(١) دعوى الاطمئنان التامّ مع عدم جواز التشبّث متناقضة ، فإنّ الاطمئنان حجّة عقلائيّة ممضاة عند الشّارع.