(وقد يسّر الله وله الحمد تأليف ما سألت وأرجو أن يكون بحيث توخيت) ، فقد أخبر الكليني نفسه بصحّة روايات كتابه ، وإخباره حجّة.
واجيب عنه : بأنّ الصّحة عند القدماء أعمّ من الصحّة عند المتأخّرين ، فإنّها عند الأوّلين تنشأ من الأمارات والقرائن ، الّتي منها وثاقة الرّواة (١) ، فلا يكفي تصحيح الكليني لإثبات الصّحة عندنا.
أقول : لا شكّ في حجيّة كلّ خبر محفوف بقرينة موجبة للاطمئنان بمطابقته للواقع ، فإنّ الاطمئنان حجّة عقلائيّة ، ولكن لم يبق لدينا من القرائن الموجودة عند القدماء سوى صدق الرّواة ، ولا نعتمد على شهادة الكليني وأمثاله من علمائنا الأعلام الأماجد بوجود تلك القرائن في رواياتهم لتصبح معتبرة حجّة ؛ وذلك لأنّ القرائن المفيدة للاطمئنان ليست محصورة مضبوطة مقبولة عند الكل ، ليكون الإخبار عن وجودها أخبارا عن حس ، بل هي كثيرة مختلفة متفرقة تختلف شدّة وضعفا حسب اختلاف الأنظار والمشارب والآراء والحالات النفسية ، وحيث أنّ تقليد المجتهد غير سائغ لمجتهد آخر ، بل مطلقا بعد موته لم يجز الاعتماد على فتوى الكليني بصحّة رواياته.
ومنه ينقدح ضعف ما ذكره المحدّث النوري (٢) من أنّ سبب شهادة الكليني بصحّة رواياته ، إمّا وثاقة رواتها فلا إشكال فيه (٣) لأنّها في حكم توثيق جميعهم بالمعنى الأعم ، أو كونها مأخوذة من تلك الاصول والكتب المعتبرة عند الإماميّة كافة ، وهي شهادة حسّية أبعد من الخطأ والغلط من التوثيق ... وكذا لو كان بعضها للوثاقة ، وبعضها للأخذ من تلك الاصول كما لعلّه كذلك انتهى ملخّصا.
وقد عرفت عدم حصر القرائن في النقل عن الكتب المعتبرة ، بل هي كثيرة غير محصورة ولا مضبوطة.
__________________
(١) لاحظ : في البحث الثالث والثلاثين من هذا الكتاب تفصيل هذه الأمارات والقرائن.
(٢) خاتمة مستدركه : ٣ / ٥٣٦.
(٣) ليس مفاد توثيقه العام ـ إن صحّ ـ اعتبار جميع روايات الكافي ؛ لأنّ جملة كثيرة من الرّوايات تسقط عن الاعتبار لأجل تعارض توثيق الكليني بجرح غيره كالشّيخ والنجاشي ، ولأجل الإرسال ، على أنّ في إسناد روايات الكافي من هو مجهول ، كما في المراسيل والمرفوعات ومعرفة وثاقة رواتها محتاجة إلى علم الغيب ، واحتمال وجود سند آخر صحيح للكليني في هذه الموارد مجرّد احتمال لا يجوز البناء عليه ، بحسب بناء العقلاء.