ومنها : إنّ ثقة الإسلام الكليني جمع روايات الكافي في عشرين سنة (١) ، فلو كانت الكتب والاصول المصنّفة السّابقة على زمانه الموجودة بيده متواترة ورواياتها قطعية ، أو ـ على الأقلّ ـ معتبرة لم يفتقر في تأليفه إلى تلك المدّة الطّويلة ، فيعلم أنّ أحاديث الاصول والكتب لم يتميّز غثها وسمينها ، وضعيفها وقويها ، باطلها وصحيحها ، ومرويها ومجعولها ، فاستدعى التمييز المذكور تلك المدّة ، لكن التمييز المزبور ليس أمرا قطعيّا حسيّا ، وإنّما هو مستند إلى قرائن وأمارات نظريّة اعمل فيها الرأي والاجتهاد ، وكلّ ميسر لما خلق لأجله.
ومنها : تضعيف الشّيخ بعض روايات الكافي وغيره ، كقوله بعد نقل حديثين : إنّهما خبر واحد لا يوجبان علما ولا عملا ؛ ولأنّ راويها عمران الزعفراني ، وهو مجهول ، وفي أسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما يختصون بروايته (٢) ، ونحو ذلك.
ومنها : تضعيف الشّيخ المفيد روايات الكافي والصّدوق. (٣)
ومنها : قول الشّيخ في آخر التهذيب ـ أوائل المشيخة ـ : والآن ، فحيث وفّقنا الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب ، فنحن نذكر الطرق الّتي يتوصل بها إلى رواية هذه الاصول والمصنّفات ، ونذكرها على غاية من الاختصار ؛ لتخرج الإخبار بذلك عن حدّ المراسيل ، وتلحقّ بباب المسندات.
فلو كانت روايات كتابه قطعيّة أو معتبرة من غير جهة الأسناد ، لم يحتج الشّيخ إلى ذكر الأسناد ولم يضرّها الإرسال.
ومنها : وجود بعض روايات غير قابل للتصديق ، كرواية أبي بصير عن الصّادق عليهالسلام في قول الله عزوجل : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ ،) فرسول الله صلىاللهعليهوآله الذّكر ، وأهل بيته المسؤولون ، وهم أهل الذكر (٤) أي : الرسول ذكر لنفسه.
ومنها : اهتمام العلماء قديما وحديثا بالبحث عن وثاقة الرّواة ، وصدقهم وكذبهم ، وتدوين علم الرجال والتدقيق في مسائلها ، ولو كانت الرّوايات قطعيّة لم يستحقّ العلم المذكور ذاك الاعتناء.
__________________
(١) رجال النجاشي : ٢٦٦.
(٢) الاستبصار : ٢ ، باب ذكر جمل من الإخبار.
(٣) معجم الرجال الحديث : ١ / ٢٧.
(٤) الكافي : ١ / ٣٠٣.