نعم ، إذا أريد الاجتهاد من الفقه ، فهو كاشف عن الصدق ، فإنّ من بلغ رتبة الاجتهاد في الفقه يبعد عنه الكذب عمدا كلّ البعد.
وبالجملة : ليس المطلوب في المقام مطلق المدح ، بل المدح المستلزم للصّدق في المقال ؛ وإلّا نمنع حجيّة الحسان من رأس.
١٦. ورود رواية دالّة على توثيقه أو تحسينه ، وإن كان الرّاوي هو نفس الرّجل فإنّ الشّيعي لا يباهت إمامه ولا يفتري عليه ، بل وإن كان في سندها ضعيف آخر ، فإنّها لا تقل عن توثيق الرجاليّين في إفادة الظّن.
أقول : هذا التلفيق عجيب ، فإنّه لوصحّ للغي علم الرجال في توثيقاته ، وتحسيناته إذ كان الواجب على هذا ، إحراز إيمان الرّاوي فقط ، فتكون رواياته معتبرة إذ الشّيعي لا يباهت إمامه.
إلّا أنّ يقال : إنّ عدم البهتان ظنّي ، وهذا الظّن إنّما يكون حجّة في خصوص علم الرجال دون الفقه وغيره ، لكنّه مع بطلانه قد ادّعى المامقاني رحمهالله في بعض التراجم القطع بأنّ الشّيعي لا يباهت إمامه ، وعليه يصبح جميع الرّوايات قطعيّة إذا كان رجالها من الشّيعة!
ولعمرك ، إنّه لا يجوز استنباط الأحكام الشّرعيّة بهذه الخيالات الواهية ، والشّيعي كغيره قد يباهت ربّه ونبيّه ، فكيف لا يباهت إمامه؟
والإنصاف إنّ جملة من الأمارات المذكورة ممّا لم تكن متوقعا صدورها عن الفضلاء.
١٧. الظّن بالوثاقة أو الحسن من أيّ جهة كان ، للإجماع على حجيّة الظّنون الرّجاليّة.
أقول : حجيّة الظّنون الرّجالية بالإجماع المنقول الظنّي من قبيل : إثبات مجهول بمجهول ، والقرآن يقضي على الدعوى والدليل معا ، بأنّ : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً.)
١٨. توثيق الأعلام المتأخّرين كالعلّامة والشّهيد والمجلسي وأمثالهم.
أقول : إنّما تقبل توثيقاتهم إذا تطرّق إليها احتمال كونها عن حسّ ، وأمّا إذا لم يحتمل ذلك ، بل حصل الاطمئنان بكونها من حدس بعيد ، كما هو الغالب لقطع السلسلة المستقلّة بعد الشّيخ الطوسي رحمهالله واتّكاء من بعده عليه ، وعلى أمثاله ، كما يظهر من جملة من الإجازات ، فلا تقبل ؛ لعدم دليل على اعتبار الإخبار الناشئ عن الحدس ، إلّا فيما دلّ الدّليل عليه بخصوصه.
فلا يقال : الدليل في المقام موجود وهو جريان السّيرة على اعتبار نظر أهل الخبرة فيما يخصّهم من الصنعة والفن.
فإنّه يقال : إنّ هذا يختصّ بالامور النّظرية الّتي تحتاج إلى مزاولة وتجربة وإعمال نظر ،