ابن موسى الحنفي ، عن أبي كعب الخزاعيّ قال : رثى سلم الخاسر المهديّ بقصيدة ، فوعده الرشيد عليها بمائة ألف درهم فأبطأت عليه فكتب إلى الرشيد :
أرى المائة ألفا صادقا قد وعدتها |
|
لمرثية المهديّ غير كثير |
ولو غير هارون يجود بوعدها |
|
لما عجت من موعوده بنقير |
شبيه أبيه في السماحة والندى |
|
فإن قال لم يأخذ بحبل غرور |
أخبرنا الجوهريّ ، أخبرنا طلحة بن محمّد قال : قال محمّد بن داود : حدّثني محمّد بن القاسم بن مهرويه ، حدّثنا أبو الحسن عليّ بن يحيى قال : حدّثني أحمد بن صالح المؤدّب ـ وكان أحد العلماء ـ قال : أخبرني جماعة من أهل الأدب أن بشّارا غضب على سلم الخاسر ، وكان من تلامذته ورواته ، فاستشفع عليه بجماعة من إخوانه فأتوه فقالوا : جئناك في حاجة ، فقال : يعني كل حاجة لكم مقضية إلّا سلما ، قالوا : ما جئناك إلّا في سلم ولا بد من أن ترضى عنه ، قال : فأين هو؟ قالوا : ها هو ذا. فقام سلم يقبل رأسه ويديه وقال : يا أبا معاذ خريجك وأديبك ، فقال بشّار ، فمن الذي يقول؟ :
من راقب الناس لم يظفر بحاجته |
|
وفاز بالطّيّبات الفاتك اللهج |
قال : أنت يا أبا معاذ ـ جعلني الله فداك ـ قال : فمن الذي يقول؟ :
من راقب الناس مات هما |
|
وفاز باللذة الجسور |
قال : خريجك يقول ذلك ، قال : فتأخذ معاني التي قد عنيت بها ، وتعبت فيها وفي استنباطها فتكسوها ألفاظا أخف من ألفاظي ، حتى يروى ما تقول ويذهب شعري ، لا أرضى عنك أبدا ، فما زال يتضرع إليه ، ويشفع له القوم ، حتى رضى عنه.
قال محمّد بن داود : أنشدني الجماز. قال : أنشدني سلم الخاسر لنفسه : أبيات سلم هذه وهي من جيد أشعار سلم وأملحه :
بان شبابي فيما يحور |
|
وطال من ليلي القصير |
أهدى لي الشوق وهو خلو |
|
أغن في طرفه فتور |
وقائل حين شب وجدي |
|
واشتعل المضمر الستير |
لو شئت أسلاك عن هواه |
|
قلب لأشجانه ذكور |
فقلت لا تعجلن بلومي |
|
فإنما ينبئ الخبير |
عذبني والهوى صغير |
|
فكيف لي والهوى كبير |
من راقب الناس مات هما |
|
وفاز باللذة الجسور |