قلت : يا أمير المؤمنين إن الله لم يرض من نفسه بأن يجعل فوقك أحدا من خلقه ، فلا ترض له من نفسك بأن يكون عبد هو أشكر منك. قال : والله لقد أوجزت وقصرت ، قال : قلت : والله لئن كنت قصرت فما بلغت كنه النعمة فيك.
أخبرني الأزهري ، حدّثنا عبيد الله بن محمّد البزّاز ، حدّثنا محمّد بن يحيى الصولي قال : حدّثنا أبو ذكوان ، حدّثنا محمّد بن سلام قال : خرج شبيب بن شيبة من دار المهديّ ، فقيل له : كيف تركت الناس؟ قال : تركت الداخل راجيا ، والخارج راضيا.
أخبرنا الجوهريّ ، أخبرنا محمّد بن عمران بن موسى ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى المكي قال : حدّثنا محمّد بن القاسم بن خلاد عن موسى بن إبراهيم ـ صاحب حمّاد بن سلمة ـ قال : كان شبيب بن شيبة يصلي بنا في المسجد الشارع في مربعة أبي عبيد الله ، فصلى بنا يوما الصبح ، فقرأ بالسجدة ، وهل أتى على الإنسان ، فلما قضى الصلاة قام رجل فقال : لا جزاك الله عني خيرا ، فإني كنت غدوت لحاجة فلما أقيمت الصلاة دخلت أصلي ، فأطلت حتى فاتتني حاجتي. قال : وما حاجتك؟ قال : قدمت من الثغر في شيء من مصلحته ، وكنت وعدت البكور إلى دار الخليفة : لا ينجز ذلك! قال : فأنا أركب معك ، فركب معه ودخل على المهديّ فأخبره الخبر ، وقصّ عليه القصّة ، قال : وتريد ما ذا؟ قال : قضاء حاجته ، فقضى حاجته ، وأمر له بثلاثين ألف درهم ، فدفعها إلى الرجل ، ودفع إليه شبيب من ماله أربعة آلاف درهم ، وقال له : لم تضرك السورتان (٣).
أخبرنا الأزهري ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم. وأخبرنا عليّ بن أبي علي المعدّل ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم ومحمّد بن عبد الرّحمن بن العبّاس قالا : حدّثنا عبيد الله بن عبد الرّحمن السّكّري ، حدّثنا أبو يعلى زكريّا بن يحيى المنقري ، حدّثنا الأصمعي قال : كان شبيب بن شيبة رجلا شريفا ، يفزع إليه أهل البصرة في حوائجهم ، فكان يغدو في كل يوم ويركب ، فإذا أراد أن يغدو أكل من الطعام شيئا قد عرفه فنال منه ثم ركب ، فقيل له إنك تباكر الغداء؟ فقال : أجل أطفئ به فورة جوعي ، وأقطع به خلوف فمي ، وأبلغ به في قضاء حوائجي ، فإني وجدت خلاء الجوف ، وشهوة الطعام يقطعان الحكيم عن بلوغه في حاجته ، ويحمله ذلك على التقصير فيما به إليه الحاجة ،
__________________
(٣) انظر الخبر في : تهذيب الكمال ١٢ / ٣٦٥.