المنصور ، وزيد في الأذان حي على خير العمل ، وشرع البساسيري في إصلاح الجسر ، فعقده بباب الطاق ، وعبر عسكره عليه ، وأنزله بالزاهر ، وكف الناس عن المحاربة أياما ، وحضرت الجمعة يوم العشرين من ذي القعدة فدعى لصاحب مصر في جامع الرصافة ، كما دعى له في جامع المنصور. وخندق الخليفة حول داره ونهر معلى خنادق ، وأصلح ما استرم من سور الدار ؛ فلما كان من يوم الأحد لليلتين بقيتا من ذي القعدة حشر البساسيري وأهل الجانب الغربي عموما ، وأهل الكرخ خصوصا ، ونهض بهم إلى حرب الخليفة ، فتحاربوا يومين قتل بينهما قتلى كثيرة ، واستهل هلال ذي الحجة ، فدلف البساسيري في يوم الثلاثاء ومن معه نحو دار الخلافة ، وأضرم النار في الأسواق بنهر معلى وما يليه ، ولم يكن بقي بالجانب الغربي إلا نفر ذو عدد ، وعبر الخلق للانتهاب ، وأحاطوا بدار الخلافة ، فنهب ما لا يقدر قدره ، ووجه الخليفة إلى قريش بن بدران البدوي العقيلي ـ وكان ضافر البساسيري وأقبل معه ـ فأذم قريش الخليفة في نفسه ، ولقيه قريش فقبل الأرض بين يديه دفعات ، وخرج الخليفة معه من الدار راكبا وبين يديه راية سوداء ، وعلى الخليفة قباء أسود وسيف ومنطقة ، وعلى رأسه عمامة تحتها قلنسوة والأتراك في أعراضه وبين يديه ، وضرب قريش للخليفة خيمة إزاء بيته بالجانب الشرقي ، فدخلها الخليفة وأحدق بها خدمه ، وماشى البساسيري وزير الخليفة أبا القاسم بن المسلمة ، ويد البساسيري قابضة على كم الوزير. وقبض على قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني وجماعة معه ، وحملوا إلى الحريم الطاهري ، وقيد الوزير وقاضي القضاة ، فلما كان يوم الجمعة الرابع من ذي الحجة لم يخطب بجامع الخليفة وخطب في سائر الجوامع لصاحب مصر ، وفي هذا اليوم انقطعت دعوة الخليفة من بغداد ، ولما كان يوم الأربعاء تاسع ذي الحجة ـ وهو يوم عرفة ـ أخرج الخليفة من الموضع الذي كان به وحمل إلى الأنبار ، ومنها إلى حديثة عانة على الفرات ، فحبس هناك وكان صاحب الحديثة والمتولي خدمة الخليفة بنفسه هناك مهارش البدوي ، وحكى عنه حسن الطريقة ، وجميل المعتقد. فلما كان يوم الاثنين الثامن والعشرين من ذي الحجة شهر الوزير على جمل وطيف به في محال الجانب الغربي ، ثم صلب حيّا بباب خراسان إزاء الترب ، وجعل في فكيه كلوبان من الحديد ، وعلق على جذع فمات بعد صلاة العصر من هذا اليوم ، وأطلق قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني بمال قرر عليه ، وخرجت من بغداد يوم النصف من صفر سنة إحدى وخمسين ، فلم يزل الخليفة في محبسه بحديثة عانة إلى أن ظفر طغرلبك بأخيه