ـ أبو جعفر الضّرير الكلبي ـ حدّثني شيخ على باب بعض المحدثين قال : سألت وكيعا عن مقدمه هو وابن إدريس وحفص على هارون الرشيد؟ فقال لي : ما سألني عن هذا أحد قبلك قدمنا على هارون أنا وعبد الله بن إدريس ، وحفص بن غياث ، فأقعدنا بين السريرين ، فكان أول ما دعا به أنا ، فقال لي هارون : يا وكيع ، قلت : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال : إن أهل بلدك طلبوا مني قاضيا وسموك لي فيمن سموا. وقد رأيت أن أشركك في أمانتي ، وصالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة ، فخذ عهدك وامض ، فقلت : يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير ، وإحدى عيني ذاهبة ، والأخرى ضعيفة ، فقال هارون : اللهم غفرا خذ عهدك أيها الرجل وامض. فقلت : يا أمير المؤمنين والله لئن كنت صادقا إنه لينبغي أن تقبل مني ، ولئن كنت كاذبا فما ينبغي أن تولي القضاء كذابا ، فقال : اخرج فخرجت ، ودخل ابن إدريس وكان هارون قد وسم له من ابن إدريس وسم ـ يعني خشونة جانبه ـ فدخل فسمعنا صوت ركبتيه على الأرض حين برك ، وما سمعناه يسلم إلّا سلاما خفيا ، فقال له هارون : أتدري لم دعوتك؟ قال : لا! قال : إن أهل بلدك طلبوا مني قاضيا ، وأنهم سموك لي فيمن سموا ، وقد رأيت أن أشركك في أمانتي ، وأدخلك في صالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة ، فخذ عهدك وامض. فقال له ابن إدريس : ليس أصلح للقضاء ، فنكت هارون بإصبعه وقال له : وددت أني لم أكن رأيتك. قال ابن إدريس : وأنا وددت أني لم أكن رأيتك ، فخرج ثم دخل حفص بن غياث فقال له كما قال لنا ، فقبل عهده وخرج. فأتانا خادم معه ثلاثة أكياس ، في كل كيس خمسة آلاف ، فقال لي : إن أمير المؤمنين يقرئكم السّلام ويقول لكم قد لزمتكم في شخوصكم مئونة فاستعينوا بهذه في سفركم. قال وكيع : فقلت له : أقرئ أمير المؤمنين السّلام وقل له : وقعت مني بحيث يحب أمير المؤمنين ، وأنا عنها مستغن وفي رعية أمير المؤمنين من هو أحوج إليها مني فإن رأى أمير المؤمنين أن يصرفها إلى من أحب. وأما ابن إدريس فصاح به مرّ من هاهنا ، وقبلها حفص ، وخرجت الرقعة إلى ابن إدريس من بيننا ، عافانا الله وإياك ، سألناك أن تدخل في أعمالنا فلم تفعل ، ووصلناك من أموالنا فلم تقبل ، فإذا جاءك ابني المأمون فحدثه إن شاء الله. فقال للرسول : إذا جاءنا مع الجماعة حدّثناه إن شاء الله ، ثم مضينا فلما صرنا إلى الياسرية حضرت الصلاة ، فنزلنا نتوضأ للصلاة ، قال وكيع : فنظرت إلى شرطي محموم نائم في الشمس عليه سواده ، فطرحت كسائي عليه وقلت يدفأ إلى أن أتوضأ ، فجاء ابن إدريس فاستلبه. ثم قال لي : رحمته لا رحمك الله ، في الدّنيا أحد