منزلة المتردد أو المنكر لأنهم لاتباعهم الإشارات الشيطانية بمنزلة من ينكر عداوته كما قال عبدة :
إن الذين ترونهم إخوانكم |
|
يشفى غليل صدورهم أن تصرعوا |
وأيا ما كان فإن تفيد معنى التعليل والربط في مثل هذا وتغني غناء الفاء وهو شأنها بعد الأمر والنهي على ما في «دلائل الإعجاز» ومثله قول بشار :
بكّرا صاحبيّ قبل الهجير |
|
إنّ ذاك النجاح في التبكير |
وقد تقدم ذلك.
وإنما كان عدوا لأن عنصر خلقته مخالف لعنصر خلقة الإنسان فاتصاله بالإنسان يؤثر خلاف ما يلائمه ، وقد كثر في القرآن تمثيل الشيطان في صورة العدو المتربص بنا الدوائر لإثارة داعية مخالفته في نفوسنا كيلا نغتر حين نجد الخواطر الشريرة في أنفسنا فنظنها ما نشأت فينا إلّا وهي نافعة لنا لأنها تولدت من نفوسنا ، ولأجل هذا أيضا صورت لنا النفس في صورة العدو في مثل هاته الأحوال.
ومعنى المبين الظاهر العداوة من أبان الذي هو بمعنى بان وليس من أبان الذي همزته للتعدية بمعنى أظهر لأن الشيطان لا يظهر لنا العداوة بل يلبس لنا وسوسته في لباس النصيحة أو جلب الملائم ، ولذلك سماه الله وليّا فقال : (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) [النساء : ١١٩] ، إلّا أن الله فضحه فلم يبق مسلم تروج عليه تلبيساته حتى في حال اتّباعه لخطواته فهو يعلم أنها وساوسه المضرة إلّا أنه تغلبه شهوته وضعف عزيمته ورقة ديانته.
وقوله : (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ) استئناف بياني لقوله : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) فيئول إلى كونه علة للعلة إذ يسأل السامع عن ثبوت العداوة مع عدم سبق المعرفة ومع بعد ما بيننا وبينه فقيل (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ) أي لأنه لا يأمركم إلّا بالسوء إلخ أي يحسّن لكم ما فيه مضرتكم لأن عداوته أمر خفي عرفناه من آثار أفعاله.
والأمر في الآية مجاز عن الوسوسة والتزيين إذ لا يسمع أحد صيغ أمر من الشيطان. ولك أن تجعل جملة : (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ) تمثيلية بتشبيه حاله وحالهم في التسويل والوسوسة وفي تلقيهم ما يوسوس لهم بحال الآمر والمأمور ويكون لفظ يأمر مستعملا في حقيقته مفيدا مع ذلك الرمز إلى أنهم لا إرادة لهم ولا يملكون أمر أنفسهم وفي هذا زيادة