ولا على عدمها ، فإنه قد يعبر ببعض الجسم على جميعه كقوله تعالى عن زكرياء (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) [مريم : ٤] ، وأما نجاسته ونجاسة شعره أو إباحتها فذلك غرض آخر ليس هو المراد من الآية.
وقد قيل في وجه ذكر اللحم هنا وتركه في قوله : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) وجوه قال ابن عطية : إن المقصد الدلالة على تحريم عينه ذكّي أم لم يذكّ اه. ومراده بهذا ألا يتوهم متوهم أنه إنما يحرم إذا كان ميتة وفيه بعد ، وقال الألوسي خصه لإظهار حرمته ، لأنهم فضلوه على سائر اللحوم فربما استعظموا وقوع تحريمه اه. يريد أن ذكره لزيادة التغليظ أي ذلك اللحم الذي تذكرونه بشراهة ، ولا أحسب ذلك ، لأن الذين استجادوا لحم الخنزير هم الروم دون العرب ، وعندي أن إقحام لفظ اللحم هنا إما مجرد تفنن في الفصاحة وإما للإيماء إلى طهارة ذاته كسائر الحيوان ، وإنما المحرم أكله لئلا يفضي تحريمه بالناس إلى قتله أو تعذيبه ، فيكون فيه حجة لمذهب مالك بطهارة عين الخنزير كسائر الحيوان الحي ، وإما للترخيص في الانتفاع بشعره لأنهم كانوا يغرزون به الجلد.
وحكمة تحريم لحم الخنزير أنه يتناول القاذورات بإفراط فتنشأ في لحمه دودة (١) مما يقتاته لا تهضمها معدته فإذا أصيب بها آكله قتلته.
ومن عجيب ما يتعرض له المفسرون والفقهاء البحث في حرمة خنزير الماء وهي مسألة فارغة إذ أسماء أنواع الحوت روعيت فيها المشابهة كما سموا بعض الحوت فرس البحر وبعضه حمام البحر وكلب البحر ، فكيف يقول أحد بتأثير الأسماء والألقاب في الأحكام الشرعية وفي «المدونة» توقّف مالك أن يجيب في خنزير الماء وقال : أنتم تقولون خنزير. قال ابن شأس : رأى غير واحد أن توقّف مالك حقيقة لعموم (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) [المائدة : ٩٦] وعموم قوله تعالى : (وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) ورأى بعضهم أنه غير متوقّف فيه حقيقة ، وإنما امتنع من الجواب إنكارا عليهم تسميتهم إياه خنزيرا ولذلك قال أنتم تسمونه خنزيرا يعني أن العرب لم يكونوا يسمونه خنزيرا وأنه لا ينبغي تسميته خنزيرا ثم السؤال عن أكله حتى يقول قائلون أكلوا لحم الخنزير ، أي فيرجع كلام مالك إلى صون ألفاظ الشريعة ألا يتلاعب بها ، وعن أبي حنيفة أنه منع أكل خنزير البحر غير متردد أخذا بأنه سمي خنزيرا ، وهذا عجيب منه وهو المعروف بصاحب الرأي ، ومن أين لنا ألا يكون
__________________
(١) وتسمى في الفرنسية (Trichine) والمرض يسمى (Trichinose).