قتل قاتل وليّه وإن أعوزه ذلك قتل به غيره من واحد كفء له ، أو عدد يراهم لا يوازونه ويسمون ذلك بالتكايل في الدم أي كأنّ دم الشريف يكال بدماء كثيرة فربما قدروه باثنين أو بعشرة أو بمائة ، وهكذا يدور الأمر ويتزايد تزايدا فاحشا حتى يصير تفانيا قال زهير :
تداركتما عبسا وذبيان بعد ما |
|
تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم |
وينتقل الأمر من قبيلة إلى قبيلة بالولاء والنسب والحلف والنصرة ، حتى صارت الإحن فاشية فتخاذلوا بينهم واستنصر بعض القبائل على بعض فوجد الفرس والروم مدخلا إلى التفرقة بينهم فحكموهم وأرهبوهم ، وإلى هذا الإشارة والله أعلم بقوله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) ... حتى (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) [آل عمران : ١٠٣] أي كنتم أعداء بأسباب الغارات والحروب فألف بينكم بكلمة الإسلام ، وكنتم على وشك الهلاك فأنقذكم منه فضرب مثلا للهلاك العاجل الذي لا يبقي شيئا بحفرة النار فالقائم على حافتها ليس بينه وبين الهلاك إلّا أقلّ حركة.
فمعنى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ) أنه حق لازم للأمة لا محيد عن الأخذ به فضمير (عَلَيْكُمُ) لمجموع الأمة على الجملة لمن توجه له حق القصاص وليس المراد على كل فرد فرد القصاص ، لأن ولي الدم له العفو عن دم وليه كما قال تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) وأصل الكتابة نقش الحروف في حجر أو رقّ أو ثوب ولما كان ذلك النقش يراد به التوثق بما نقش به دوام تذكره أطلق كتب على معنى حقّ وثبت أي حق لأهل القتيل.
والقصاص اسم لتعويض حق جناية أو حق غرم على أحد بمثل ذلك من عند المحقوق إنصافا وعدلا ، فالقصاص يطلق على عقوبة الجاني بمثل ما جنى ، وعلى محاسبة رب الدين بما عليه للمدين من دين يفي بدينه ، فإطلاقاته كلها تدل على التعادل والتناصف في الحقوق والتبعات المعروضة للغمص.
وهو بوزن فعال وهو وزن مصدر فاعل من القص وهو القطع ومنه قولهم : طائر مقصوص الجناح ومنه سمي المقص لآلة القص أي القطع وقصة الشعر بضم القاف ما يقص منه لأنه يجري في حقين متبادلين بين جانبين يقال قاصّ فلان فلانا إذا طرح من دين في ذمته مقدارا
بدين له في ذمة الآخر فشبه التناصف بالقطع لأنه يقطع النزاع الناشب قبله ، فلذلك سمي القود وهو تمكين ولي المقتول من قتل قاتل مولاه قصاصا قال تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩] ، وسميت عقوبة من يجرح أحدا جرحا عمدا