كان تغييرها إلى حال العدل فيها من أهم مقاصد الإسلام كما بيّنا تفصيله فيما تقدم في آية : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) [البقرة : ١٧٨]. أما مناسبة ذكره عقب حكم القصاص فهو جريان ذكر موت القتيل وموت القاتل قصاصا.
والقول في (كُتِبَ) تقدم في الآية السابقة وهو ظاهر في الوجوب قريب من النص فيه. وتجريده من علامة التأنيث مع كون مرفوعه مؤنثا لفظا لاجتماع مسوغين للتجريد وهما كون التأنيث غير حقيقي وللفصل بينه وبين الفعل بفاصل ، وقد زعم الشيخ الرضي أن اجتماع هذين المسوغين يرجح تجريد الفعل عن علامة التأنيث والدرك عليه.
ومعنى حضور الموت حضور أسبابه وعلاماته الدالة على أن الموت المتخيل للناس قد
حضر عند المريض ونحوه ليصيره ميتا قال تأبط شرا :
والموت خزيان ينظر
فإن حضور الشيء حلوله ونزوله وهو ضد الغيبة ، فليس إطلاق حضر هنا من قبيل إطلاق الفعل على مقاربة الفعل نحو قد قامت الصلاة ولا على معنى إرادة الفعل كما في (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) [المائدة : ٦] ، (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [المائدة : ٩٨] ، ولكنه إسناد مجازي إلى الموت لأنه حضور أسبابه ، وأما الحضور فمستعار للعرو والظهور ، ثم إن إطلاق الموت على أسبابه شائع قال رويشد بن كثير الطائي :
وقل لهم بادروا بالعفو والتمسوا |
|
قولا يبرّئكم إنّي أنا الموت |
والخير المال وقيل الكثير منه ، والجمهور على أن الوصية مشروعة في المال قليله وكثيره ، وروي عن عليّ وعائشة وابن عباس أن الوصية لا تجب إلّا في المال الكثير.
كانت عادة العرب في الجاهلية أن الميت إذا كان له ولد أو أولاد ذكور استأثروا بماله كله ، وإن لم يكن له ولد ذكر استأثر بماله أقرب الذكور له من أب أو عم أو ابن عم الأدنين فالأدنين ، وكان صاحب المال ربما أوصى ببعض ماله أو بجميعه لبعض أولاده أو قرابته أو أصدقائه ، فلما استقر المسلمون بدار الهجرة واختصوا بجماعتهم شرع الله لهم تشريك بعض القرابة في أموالهم ممن كانوا قد يهملون توريثه من البنات والأخوات والوالدين في حال وجود البنين ولذلك لم يذكر الأبناء في هذه الآية.
وعبر بفعل (ترك) وهو ماض عن معنى المستقبل أي إن يترك ، للتنبيه على اقتراب المستقبل من المضي إذا أوشك أن يصير ماضيا ، والمعنى : إن أوحشك أن يترك خيرا أو