شارف أن يترك خيرا ، كما قدّروه في قوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ) [النساء : ٩] في سورة النساء وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس : ٩٦] في سورة يونس أي حتى يقاربوا رؤية العذاب.
والوصية فعيلة من وصّى فهو الموصّى بها فوقع الحذف والإيصال ليتأتى بناء فعيلة بمعنى مفعولة ؛ لأن زنة فعيلة لا تبنى من القاصر. والوصية الأمر بفعل شيء أو تركه مما فيه نفع للمأمور أو للآمر في مغيب الآمر في حياته أو فيما بعد موته ، وشاع إطلاقها على أمر بشيء يصلح بعد موت الموصي وفي حديث العرباض بن سارية قال : «وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودّع فأوصنا إلخ».
والتعريف في الوصية تعريف الجنس أي كتب عليكم ما هو معروف عندكم بالوصية للوالدين والأقربين ، فقوله : (لِلْوالِدَيْنِ) متعلق بالوصية معمول له ؛ لأن اسم المصدر يعمل عمل المصدر ولا يحتاج إلى تأويله بأن والفعل ، والوصية مرفوع نائب عن الفاعل لفعل (كُتِبَ) ، و (إِذا) ظرف.
والمعروف الفعل الذي تألفه العقول ولا تنكره النفوس فهو الشيء المحبوب المرضي سمي معروفا لأنه لكثرة تداوله والتأنّس به صار معروفا بين الناس ، وضدّه يسمى المنكر وسيأتي عند قوله تعالى : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [آل عمران : ١١٠] في سورة آل عمران.
والمراد بالمعروف هنا العدل الذي لا مضارة فيه ولا يحدث منه تحاسد بين الأقارب بأن ينظر الموصي في ترجيح من هو الأولى بأن يوصي إليه لقوة قرابة أو شدة حاجة ، فإنه إن توخي ذلك استحسن فعله الناس ولم يلوموه ، ومن المعروف في الوصية ألا تكون للإضرار يوارث أو زوج أو قريب وسيجيء عند قوله تعالى : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً) [البقرة : ١٨٢].
والباء في (بالمعروف) للملابسة ، والجار والمجرور في موضع الحال من الوصية.
وقد شمل قوله (بِالْمَعْرُوفِ) تقدير ما يوصي به وتمييز من يوصي له ووكل ذلك إلى نظر الموصي فهو مؤتمن على ترجيح من هو أهل للترجيح في العطاء كما أشار إليه قوله