قبل المسلمين ، وشرعها للمسلمين ، وذلك يقتضي اطّراد صلاحها ووفرة ثوابها. وإنهاض همم المسلمين لتلقي هذه العبادة كيلا يتميز بها من كان قبلهم. إن المسلمين كانوا يتنافسون في العبادات كما ورد في الحديث «أنّ ناسا من أصحاب رسول الله قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدّثور بالأجور يصلّون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم» الحديث ويحبون التفضيل على أهل الكتاب وقطع تفاخر أهل الكتاب عليهم بأنهم أهل شريعة قال تعالى : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) [الأنعام : ١٥٦ ، ١٥٧]. فلا شك أنهم يغتبطون أمر الصوم وقد كان صومهم الذي صاموه وهو يوم عاشوراء إنما اقتدوا فيه باليهود ، فهم في ترقب إلى تخصيصهم من الله بصوم أنف ، فهذه فائدة التشبيه لأهل الهمم من المسلمين إذا ألحقهم الله بصالح الأمم في الشرائع العائدة بخير الدنيا والآخرة قال تعالى : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) [المطففين : ٢٦].
والغرض الثاني أن في التشبيه بالسابقين تهوينا على المكلفين بهذه العبادة أن يستثقلوا هذا الصوم ؛ فإن في الاقتداء بالغير أسوة في المصاعب ، فهذه فائدة لمن قد يستعظم الصوم من المشركين فيمنعه وجوده في الإسلام من الإيمان ولمن يستثقله من قريبى العهد بالإسلام ، وقد أكّد هذا المعنى الضّمني قوله بعده : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ).
والغرض الثالث إثارة العزائم للقيام بهذه الفريضة حتى لا يكونوا مقصرين في قبول هذا الفرض بل ليأخذوه بقوة تفوق ما أدى به الأمم السابقة.
وقال أبو بكر بن العربي في «العارضة» قوله : «كان من قول مالك في كيفية صيامنا أنه كان مثل صيام من قبلنا وذلك معنى قوله : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، وفيه بحث سنتعرض له عند تفسير قوله تعالى : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ١٨٧].
فهذه الآية شرعت وجوب صيام رمضان ، لأن فعل (كُتِبَ) يدل على الوجوب ، وابتداء نزول سورة البقرة كان في أول الهجرة كما تقدم فيكون صوم عاشوراء تقدم عاما ثم فرض رمضان في العام الذي يليه وفي «الصحيح» أن النبي صلىاللهعليهوسلم صام تسع رمضانات فلا شك أنه صام أول رمضان في العام الثاني من الهجرة ويكون صوم عاشوراء قد فرض عاما فقط وهو أول العام الثاني من الهجرة.