عن هواه وشهواته :
إذا المرء لم يترك طعاما يحبّه |
|
ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما |
فيوشك أن تلقى له الدهر سبّة |
|
إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما |
فإن قلت : إذا كان المقصد الشرعي من الصوم ارتياض النفس على ترك الشهوات وإثارة الشعور بما يلاقيه أهل الخصاصة من ألم الجوع ، واستشعار المساواة بين أهل الجدة والرفاهية وأهل الشظف في أصول الملذات بني الفريقين من الطعام والشراب واللهو ، فلما ذا اختلفت الأديان الإلهية في كيفية الصيام ولما ذا التزمت الديانة الإسلامية في كيفيته صورة واحدة ، ولم تكل ذلك إلى المسلم يتخذ لإراضة نفسه ما يراه لائقا به في تحصيل المقاصد المرادة؟.
قلت : شأن التعليم الصالح أن يضبط للمتعلم قواعد وأساليب تبلغ به إلى الثمرة المطلوبة من المعارف التي يزاولها فإن معلم الرياضة البدنية يضبط للتعلم كيفيات من الحركات بأعضائه وتطور قامته انتصابا وركوعا وقرفصاء ، بعض ذلك يثمر قوة عضلاته وبعضها يثمر اعتدال الدورة الدموية وبعضها يثمر وظائف شرايينه ، وهي كيفيات حددها أهل تلك المعرفة وأدنوا بها حصول الثمرة المطلوبة ، ولو وكل ذلك للطالبين لذهبت أوقات طويلة في التجارب وتعددت الكيفيات بتعدد أفهام الطالبين واختيارهم وهذا يدخل تحت قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥].
والمراد بالأيام من فقوله : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) شهر رمضان عند جمهور المفسرين ، وإنما عبر عن رمضان بأيام وهي جمع قلة ووصف بمعدودات وهي جمع قلة أيضا ؛ تهوينا لأمره على المكلفين ، والمعدودات كناية عن القلة ؛ لأن الشيء القليل يعد عدا ؛ ولذلك يقولون : الكثير لا يعد ، ولأجل هذا اختير في وصف الجمع مجيئه في التأنيث على طريقة الجمع بألف وتاء وإن كان مجيئه على طريقة الجمع المكسر الذي فيه هاء تأنيث أكثر.
قال أبو حيان عند قوله تعالى الآتي بعده : (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : ١٨٥] صفة الجمع الذي لا يعقل تارة تعامل معاملة الواحدة المؤنثة ، نحو قوله تعالى : (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) [البقرة : ٨٠] وتارة تعامل معاملة جمع المؤنث نحو : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) فمعدودات جمع لمعدودة ، وأنت لا تقول يوم معدودة وكلا الاستعمالين فصيح ، ويظهر أنه ترك فيه تحقيقا وذلك أن الوجه في الوصف الجاري على جمع مذكر إذا أنثوه أن يكون مؤنثا مفردا ، لأن الجمع قد أول بالجماعة والجماعة كلمة مفردة وهذا هو الغالب ، غير أنهم إذا أرادوا