قال التبريزي في «شرحه» (١) الإشارة للتعظيم والتهويل وهو في صدر القصيدة لم يسبق له ما يشبه به فقطع النظر فيه عن التشبيه واستعمل في لازم معنى التشبيه ا ه ، يعني أن الشاعر أشار إلى الحادث العظيم وهو موت محمد بن حميد الطوسي ، ومثله قول الأسدي من شعراء «الحماسة» يرثى أخاه (٢) :
فهكذا يذهب الزمان ويف |
|
نى العلم فيه ويدرس الأثر |
وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) على ما فسر به البيضاوي من هذا القبيل.
وقد يكون مرادا منه التنويه بالخبر فيجعل كأنه مما يروم المتكلم تشبيهه ثم لا يجد إلّا أن يشبهه بنفسه وفي هذا قطع للنظر عن التشبيه في الواقع ومثله قول أحد شعراء فزارة في الأدب من «الحماسة» :
كذلك أدّبت حتى صار من خلقي |
|
أني رأيت ملاك الشّيمة الأدبا |
أي أدبت هذا الأدب الكامن العجيب ، ومنه قول زهير :
كذلك خيمهم ولكلّ قوم |
|
إذا مسّتهم الضّراء خيم |
وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) من هذا القبيل عند شراح «الكشاف» وهو الحق ، وأوضح منه في هذا المعنى قوله تعالى : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) [الأنعام : ٥٣] فإنه لم يسبق ذكر شيء غير الذي سماه الله تعالى فتنة أخذا من فعل (فَتَنَّا). والإشارة على هذا المحمل المشار إليه مأخوذ من كلام متأخر عن اسم الإشارة كما علمت آنفا لأنه الجعل المأخوذ من (جَعَلْناكُمْ) ، وتأخير المشار إليه عن الإشارة استعمال بليغ في مقام التشويق كقوله تعالى : (قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) [الكهف : ٧٨] أو من كلام متقدم عن اسم الإشارة كما للبيضاوي إذ جعل المشار إليه هو الهدى المأخوذة من قوله تعالى : (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ١٤٢] ولعله رأى لزوم تقدم المشار إليه.
__________________
(٢) من كتب التبريزي : شرح ديوان الحماسة لأبي تمام ، ٢ شرح المشكل من ديوان أي تمام. والتبريزي : ويحيى بن علي محمد الشيباني التبريزي ، أبو زكريا ، من أئمة اللغة والأدب. توفى سنة ٥٠٢ هـ. الأعلام (٨ / ١٥٧).
(٢) وقيل البيت لابن كناسة في رثاه حماد الراوية ، وقال الجاحظ هو لبعض الشعراء فر رثاء بعض العلماء.