ظنوا أن النوم إن حصل في غير إبانة المعتاد يكون أيضا مانعا من الأكل والجماع إلى وقت السحور وإن وقت السحور لا يباح فيه إلّا الأكل دون الجماع ؛ إذ كانوا يتأثمون من الإصباح في رمضان على جنابة ، وقد جاء في «صحيح مسلم» أن أبا هريرة كان يرى ذلك يعني بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لعل هذا قد سرى إليهم من أهل الكتاب كما يقتضيه ما رواه محمد بن جرير من طريق السدي ، ولعلهم التزموا ذلك ولم يسألوا عنه رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، ولعل ذلك لم يتجاوز بعض شهر رمضان من السنة التي شرع لهم فيها صيام رمضان فحدثت هذه الحوادث المختلفة المتقاربة ، وذكر ابن العربي في «العارضة» عن ابن القاسم عن مالك كان في أول الإسلام من رقد قبل أن يطعم لم يطعم من الليل شيئا فأنزل الله : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ) فأكلوا بعد ذلك فقوله تعالى : (عَلِمَ اللهُ) دليل على أن القرآن نزل بهذا الحكم لزيادة البيان ؛ إذ علم الله ما ضيق به بعض المسلمين على أنفسهم وأوحى به إلى رسوله صلىاللهعليهوسلم. وهذا يشير إلى أن المسلمين لم يفشوا ذلك ولا أخبروا به رسول الله ولذلك لا نجد في روايات البخاري والنسائي أن الناس ذكروا ذلك لرسول الله إلّا في حديث قيس بن صرمة عند أبي داود ولعله من زيادات الراوي. فأما أن يكون ذلك قد شرع ثم نسخ فلا أحسبه ، إذ ليس من شأن الدين الذي شرع الصوم أول مرة يوما في السنة ثم درّجه فشرع الصوم شهرا على التخيير بينه وبين الإطعام تخفيفا على المسلمين أن يفرضه بعد ذلك ليلا ونهارا فلا يبيح الفطر إلّا ساعات قليلة من الليل.
وليلة الصيام الليلة التي يعقبها صيام اليوم الموالي لها جريا على استعمال العرب في إضافة الليلة لليوم الموالي لها إلّا ليلة عرفة فإن المراد بها الليلة التي بعد يوم عرفة.
والرّفث في «الأساس» و «اللسان» أن حقيقته الكلام مع النساء في شئون الالتذاذ بهن ثم أطلق على الجماع كناية ، وقيل هو حقيقة فيهما وهو الظاهر ، وتعديته بإلى ليتعين المعنى المقصود وهو الإفضاء.
وقول : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ) جملة مستأنفة كالعلة لما قبلها أي أحل لعسر الاحتراز عن ذلك. ذلك أن الصوم لو فرض على الناس في الليل وهو وقت الاضطجاع لكان الإمساك عن قربان النساء في ذلك الوقت عنتا ومشقة شديدة ليست موجودة في الإمساك عن قربانهن في النهار ؛ لإمكان الاستعانة عليه في النهار بالبعد عن المرأة ، فقوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ) استعارة بجامع شدة الاتصال حينئذ وهي استعارة أحياها القرآن ، لأن العرب كانت اعتبرتها في قوله : لابس الشيء الشيء ، إذا اتصل به لكنهم صيروها في خصوص