بدلالة لحن الخطاب أو فحوى الخطاب.
وجعلت غاية النهي بقوله : (حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) أي فإن قاتلوكم عند المسجد فاقتلوهم عند المسجد الحرام ، لأنهم خرقوا حرمة المسجد الحرام فلو تركت معاملتهم بالمثل لكان ذلك ذريعة إلى هزيمة المسلمين. فإن قاتلوا المسلمين عند المسجد الحرام عاد أمر المسلمين بمقاتلتهم إلى ما كان قبل هذا النهي فوجب على المسلمين قتالهم عند المسجد الحرام وقتل من ثقفوا منهم كذلك.
وفي قوله تعالى : (فَاقْتُلُوهُمْ) تنبيه على الإذن بقتلهم حينئذ ولو في غير اشتباك معهم بقتال ، لأنهم لا يؤمنون من أن يتخذوا حرمة المسجد الحرام وسيلة لهزم المسلمين.
ولأجل ذلك جاء التعبير بقوله : (فَاقْتُلُوهُمْ) لأنه يشمل القتل بدون قتال والقتل بقتال.
فقوله تعالى : (فَإِنْ قاتَلُوكُمْ) أي عند المسجد الحرام فاقتلوهم هنالك ، أي فاقتلوا من ثقفتم منهم حين المحاربة ، ولا يصدكم المسجد الحرام عن تقصي آثارهم لئلا يتخذوا المسجد الحرام ملجأ يلجئون إليه إذا انهزموا.
وقد احتار كثير من المفسرين في انتظام هذه الآيات من قوله : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) [البقرة : ١٩٠] إلى قوله هنا ـ (كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) حتى لجأ بعضهم إلى دعوى نسخ بعضها ببعض فزعم أن آيات متقارنة بعضها نسخ بعضا ؛ مع أن الأصل أن الآيات المتقارنة في السورة الواحدة نزلت كذلك ومع ما في هاته الآيات من حروف العطف المانعة من دعوى كون بعضها قد نزل مستقلا عن سابقه وليس هنا ما يلجئ إلى دعوى النسخ ، ومن المفسرين من اقتصر على تفسير المفردات اللغوية والتراكيب البلاغية وأعرض عن بيان المعاني الحاصلة من مجموع هاته الآيات.
وقد أذن الله للمسلمين بالقتال والقتل للمقاتل عند المسجد الحرام ولم يعبأ بما جعله لهذا المسجد من الحرمة ؛ لأن حرمته حرمة نسبته إلى الله تعالى فلما كان قتال الكفار عنده قتالا لمنع الناس منه ومناوأة لدينه فقد صاروا غير محترمين له ولذلك أمرنا بقتالهم هنالك تأييدا لحرمة المسجد الحرام.
وقرأ الجمهور : (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه) ثلاثتها بألف بعد القاف ، وقرأ حمزة والكسائي : (ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فإن قتلوكم) بدون ألف بعد