كادت تساقطني رحلي وميثرتي
(فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ).
الفاء عاطفة على قوله : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) [البقرة : ١٩٧] الآية ، عطف الأمر على النهي ، وقوله : (إذا أفضتم) شرط للمقصود وهو : (فاذكروا الله).
والإفاضة هنا : الخروج بسرعة وأصلها من فاض الماء إذا كثر على ما يحويه فبرز منه وسال ؛ ولذلك سموا إحالة القداح في الميسر إفاضة والمجيل مفيضا ، لأنه يخرج القداح من الرّبابة بقوة وسرعة أي بدون تخيّر ولا جسّ لينظر القدح الذي يخرج ، وسمّوا الخروج من عرفة إفاضة لأنهم يخرجون في وقت واحد وهم عدد كثير فتكون لخروجهم شدة ، والإفاضة أطلقت في هاته الآية على الخروج من عرفة والخروج من مزدلفة.
والعرب كانوا يسمون الخروج من عرفة الدّفع ، ويسمون الخروج من مزدلفة إفاضة ، وكلا الإطلاقين مجاز ؛ لأن الدفع هو إبعاد الجسم بقوة ، ومن بلاغة القرآن إطلاق الإفاضة على الخروجين ؛ لما في أفاض من قرب المشابهة من حيث معنى الكثرة دون الشدة. ولأن في تجنّب دفعتم تجنبا لتوهم السامعين أن السير مشتمل على دفع بعض الناس بعضا ؛ لأنهم كانوا يجعلون في دفعهم ضوضاء وجلبة وسرعة سير فنهاهم النبي صلىاللهعليهوسلم عن ذلك في حجة الوداع وقال : «ليس البرّ بالإيضاع فإذا أفضتم فعليكم بالسّكينة والوقار».
و (عرفات) اسم واد ويقال : بطن وهو مسيل متّسع تنحدر إليه مياه جبال تحيط به تعرف بجبال عرفة بالإفراد ، وقد جعل عرفات علما على ذلك الوادي بصيغة الجمع بألف وتاء ، ويقال له : عرفة بصيغة المفرد ، وقال الفرّاء : قول الناس يوم عرفة مولّد ليس بعربي محض ، وخالفه أكثر أهل العلم فقالوا : يقال عرفات وعرفة ، وقد جاء في عدة أحاديث «يوم عرفة» ، وقال بعض أهل اللغة : لا يقال : يوم عرفات.
وفي وسط وادي عرفة جبيل يقف عليه ناس ممن يقفون بعرفة ويخطب عليه الخطيب بالناس يوم تاسع ذي الحجة عند الظهر ، ووقف عليه النبي صلىاللهعليهوسلم راكبا يوم عرفة ، وبني في أعلى ذلك الجبيل علم في الموضع الذي وقف فيه النبي عليه الصلاة والسلام فيقف الأئمة يوم عرفة عنده.
ولا يدرى وجه اشتقاق في تسمية المكان عرفات أو عرفة ، ولا أنه علم منقول أو مرتجل ، والذي اختاره الزمخشري وابن عطية أنه علم مرتجل ، والذي يظهر أن أحد