وصف المشعر بوصف (الحرام) لأنه من أرض الحرم بخلاف عرفات.
والمشعر الحرام هو (المزدلفة) ، سميت مزدلفة لأنها ازدلفت من منى أي اقتربت ؛ لأنهم يبيتون بها قاصدين التصبيح في منى. ويقال للمزدلفة أيضا (جمع) لأن جميع الحجيج يجتمعون في الوقوف بها ، الحمس وغيرهم من عهد الجاهلية ، قال أبو ذؤيب :
فبات بجمع ثم راح إلى منّى |
|
فأصبح رادا يبتغي المزج بالسّحل (١) |
فمن قال : إن تسميتها جمعا لأنها يجمع فيها بين المغرب والعشاء فقد غفل عن كونه اسما من عهد ما قبل الإسلام.
وتسمى المزدلفة أيضا (قزح) ـ بقاف مضمومة وزاي مفتوحة ممنوعا من الصرف ـ ، باسم قرن جبل بين جبال من طرف مزدلفة ويقال له : الميقدة لأن العرب في الجاهلية كانوا يوقدون عليه النيران ، وهو موقف قريش في الجاهلية ، وموقف الإمام في المزدلفة على قزح. روى أبو داود والترمذي أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما أصبح بجمع أتى قزح فوقف عليه وقال : هذا قزح وهو الموقف وجمع كلها موقف.
ومذهب مالك أن المبيت سنة وأما النزول حصة فواجب. وذهب علقمة وجماعة من التابعين والأوزاعي إلى أن الوقوف بمزدلفة ركن من الحج فمن فاته بطل حجه تمسكا بظاهر الأمر في قوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ).
وقد كانت العرب في الجاهلية لا يفيضون من عرفة إلى المزدلفة حتى يجيزهم أحد (بني صوفة) وهم بنو الغوث بن مر بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر وكانت أمه جرهمية ، لقب الغوث بصوفة ؛ لأن أمه كانت لا تلد فنذرت إن هي ولدت ذكرا أن تجعله لخدمة الكعبة فولدت الغوث وكانوا يجعلون صوفة يربطون بها شعر رأس الصبي الذي ينذرونه لخدمة الكعبة وتسمى الرّبيط ، فكان الغوث يلي أمر الكعبة مع أخواله من جرهم فلما غلب قصي بن كلاب على الكعبة جعل الإجازة للغوث ثم بقيت في بنيه حتى انقرضوا ، وقيل إن الذي جعل أبناء الغوث لإجازة الحاجّ هم ملوك كندة ، فكان الذي يجيز بهم من عرفة يقول :
__________________
(١) من أبيات يصف فيها رجلا في الحج طلب أن يشتري عسلا من منى والراد الطالب ، والمزج من أسماء العسل ، والسحل النقد وأطلقه في البيت على الدراهم المنقودة من الوصف بالمصدر.