(وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).
الجملة في موضع الحال من ضمير (لِنَعْلَمَ) أي لنظهر من يتبع الرسول ومن ينقلب على عقيبه ونحن غير مضيعين إيمانكم. وذكر اسم الجلالة من الإظهار في مقام الإضمار للتعظيم.
روى البخاري عن البراء بن عازب قال : «[و] (١) كان [الذي] (٢) مات على القبلة قبل أن تحوّل [قبل البيت] (٣) رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ). وفي قوله : «قتلوا» إشكال لأنه لم يكن قتال قبل تحويل القبلة وسنين ذلك ، وأخرج الترمذي عن ابن عباس قال لما وجّه النبي إلى الكعبة قالوا يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) الآية قال هذا حديث حسن صحيح.
والإضاعة إتلاف الشيء وإبطال آثاره وفسّر الإيمان على ظاهره ، وفسر أيضا بالصلاة نقله القرطبي عن مالك. وتعلق (يضيع) بالإيمان على تقدير مضاف فإن فسر الإيمان على ظاهره كان التقدير ليضيع حق إيمانكم حين لم تزلزله وساوس الشيطان عند الاستقبال إلى قبلة لا تؤدونها ، وإن فسر الإيمان بالصلاة كان التقدير ما كان الله ليضيع فضل صلاتكم أو ثوابها ، وفي إطلاق اسم الإيمان على الصلاة تنويه بالصلاة لأنها أعظم أركان الإيمان ، وعن مالك : «إنّي لأذكر بهذا قول المرجئة الصلاة ليست من الإيمان».
ومعنى حديث البخاري والترمذي أن المسلمين كانوا يظنون أنّ نسخ حكم ، يجعل المنسوخ باطلا فلا تترتب عليه آثار العمل به فلذلك توجسوا خيفة على صلاة إخوانهم اللذين ماتوا قبل نسخ استقبال بيت المقدس مثل أسعد بن زرارة والبراء بن معرور وأبي أمامة ، وظن السائلون أنهم سيجب عليهم قضاء ما صلّوه قبل النسخ ولهذا أجيب سؤالهم بما يشملهم ويشمل من ماتوا قبل فقال (إِيمانَكُمْ) ، ولم يقل إيمانكم على حسب السؤال.
والتذييل بقوله : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) تأكيد لعدم إضاعة إيمانهم ومنة وتعليم بأن الحكم المنسوخ إنما يلغى العمل به في المستقبل لا في ما مضى. والرءوف الرحيم صفتان مشبّهتان مشتقة أولاهما من الرأفة والثانية من الرحمة. والرأفة مفسرة
__________________
(١) زيادة من «صحيح البخاري» انظر «فتح الباري» (٨ / ١٧١).