ولك أن تجعل قوله : (لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) كناية عن أن يعلم بذلك كل من لم يعلم على طريق الكناية الرمزية فيذكر علمه وهو يريد علم الناس كما قال إياس بن قبيصة الطائي :
وأقدمت والخطّيّ يخطر بيننا |
|
لأعلم من جبّانها من شجاعها |
أراد ليظهر من جبانها من شجاعها فأعلمه أنا ويعلمه الناس فجاء القرآن في هذه الآية ونظائرها على هذا الأسلوب ، ولك أن تجعله كناية عن الجزاء للمتبع والمنقلب كل بما يناسبه ولك أن تجعل (نعلم) مجازا عن التحيز لنظهر للناس بقرينة كلمة (من) المسماة بمن الفصلية كما سماها ابن مالك وابن هشام وهي في الحقيقة من فروع معاني من الابتدائية كما استظهره صاحب «المغني» ، وهذا لا يريبك إشكال يذكرونه ، كيف يكون الجعل الحادث علة لحصول العلم القديم إذ تبين لك أنه راجع لمعنى كنائي.
والانقلاب الرجوع إلى المكان الذي جاء منه ، يقال انقلب إلى الدار ، وقوله : (عَلى عَقِبَيْهِ) زيادة تأكيد في الرجوع إلى ما كان وراءه لأن العقبين هما خلف الساقين أي انقلب على طريق عقيبه وهو هنا استعارة تمثيلية للارتداد عن الإسلام رجوعا إلى الكفر السابق. و (من) موصولة وهي مفعول (نعلم) والعلم بمعنى المعرفة وفعله يتعدى إلى مفعول واحد.
وقوله : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) عطف على جملة (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) والمناسبة ظاهرة لأن جملة (وَإِنْ كانَتْ) بمنزلة العلة لجملة (لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) فإنها مكا كانت دالة على الاتباع والانقلاب إلّا لأنها أمر عظيم لا تساهل فيه فيظهر به المؤمن الخالص من المشوب والضمير المؤنث عائد للحادثة أو القبلة باعتبار تغيرها.
وإن مخففة من الثقيلة.
والكبيرة هنا بمعنى الشديدة المحرجة للنفوس ، تقول العرب كبر عليه كذا إذا كان شديدا على نفسه كقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ) [الأنعام : ٣٥].
__________________
ـ لا يكون المتجدد حاصلا له في الأزل لنقصانه ، كما أن الممتنع لا تتعلق به القدرة لنقصانه لا لنقصان في ذاته وقدرته» ا ه. ولم ينسب هذا القول إلى معين من الحكماء أو المتكلمين وهو تحقيق دقيق.