خبث طوية لا تتطابق مع ما يظهره من الخير ولين القول ؛ إذ من شأن أخلاق المرء أن تتماثل وتتظاهر فالله لا يرضى بإضرار عبيده ولو كفارا ضرا لا يجر إلى نفعهم ؛ لأنهم لم يغزهم حملا لهم على الإيمان بل إفسادا وإتلافا ولذلك قال تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ).
وقوله : (فِي الْأَرْضِ) تأكيد لمدلول (سَعى) لرفع توهم المجاز من أن يراد بالسعي العمل والاكتساب فأريد التنصيص على أن هذا السعي هو السير في الأرض للفساد وهو الغارة والتلصص لغير إعلاء كلمة الله ، ولذلك قال بعده (لِيُفْسِدَ فِيها) فاللام للتعليل ، لأن الإفساد مقصود لهذا الساعي.
ويجوز أن يكون (سَعى) مجازا في الإرادة والتدبير أي دبر الكيد لأن ابتكار الفساد وإعمال الحيلة لتحصيله مع إظهار النصح بالقول كيد ويكون ليفسد مفعولا به لفعل (سَعى) والتقدير أراد الفساد في الأرض ودبّره ، وتكون اللام لام التبليغ كما تقدم في قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) إلى قوله : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) [البقرة : ١٨٥] فاللام شبيه بالزائد وما بعد اللام من الفعل المقدّرة معه (أن) مفعول به كما في قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) [التوبة : ٣٢] وقول جزء بن كليب الفقعسي :
تبغّى ابن كوز والسفاهة كاسمها |
|
ليستاد منّا أن شتونا لياليا |
إذ التقدير تبغّى الاستياد منا ، قال المرزوقي : أتى بالفعل واللام لأنّ تبغى مثل أراد فكما قال الله عزوجل : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) [التوبة : ٣٢] والمعنى يريدون إطفاء نور الله كذلك قال تبغى ليستاد أي تبغى الاستياد منا ا ه.
وأقول : إن هذا الاستعمال يتأتى في كل موضع يقع فيه مفعول الفعل علة للفعل مع كونه مفعولا به ، فالبليغ يأتي به مقترنا بلام العلة اعتمادا على أن كونه مفعولا به يعلم من تقدير (أن) المصدرية.
ويكون قوله : (فِي الْأَرْضِ) متعلقا بسعى لإفادة أن سعيه في أمر من أمور أهل أرضكم ، وبذلك تكون إعادة (فِيها) من قوله : (لِيُفْسِدَ فِيها) بيانا لإجمال قوله : (فِي الْأَرْضِ) مع إفادة التأكيد.
وقوله : (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) بضم الياء أي يتلفه.
والحرث هنا مراد منه الزرع ، والنسل أطفال الحيوان مشتق من نسل الصوف نسولا