والعزيز فعيل من عز إذا قوي ولم يغلب ، وأصله من العزة وقد مر الكلام عليه عند قوله (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ) [البقرة : ٢٠٦] وهو ضد ، فكان العلم بأنه تعالى عزيز مستلزما تحققهم أنه معاقبهم لا يفلتهم ، لأن العزيز لا ينجو من يناوئه.
والحكيم يجوز أن يكون اسم فاعل من حكم أي قوي الحكم ، ويحتمل أنه المحكم للأمور فهو من مجيء فعيل بمعنى مفعل ، ومناسبته هنا أن المتقن للأمور لا يفلت مستحق العقوبة ، فالكلام وعيد وإلّا فإن الناس كلهم يعلمون أن الله عزيز حكيم.
ولك أن تجعل قوله : (فَاعْلَمُوا) تنزيلا لعلمهم منزلة العدم لعدم جريهم على ما يقتضيه من المبادرة إلى الدخول في الدين أو لمخالفة أحكام الدين أو من الامتعاض بالصلح الذي عقده الرسول.
وإنما قال تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) إعذار لهم ، وفيه إشارة إلى أنهم يجب عليهم تفويض العلم إلى الله الذي أوحى إلى رسوله بإبرام الصلح مع المشركين ، لأنه ما أوحاه الله إلّا لمصلحة وليس ذلك بوهن للمسلمين ، لأن الله عزيز لا يهن لأحد ، ولأنه حكيم يضع الأمور في مواضعها ، ويختار للمسلمين ما فيه نصر دينه وقد رأيتم البينات الدالة على عناية الله برسوله وأنه لا يخزيه ولا يضيع أمره ومن تلك البينات ما شاهدوه من النصر يوم بدر.
وإن كان المراد الدخول في الإسلام أو الدوام عليه فالمعنيّ : ب (فإن زللتم) : الاتصاف بما ينافي الأمر بالدخول في السّلم ، والمراد بالبينات المعجزات الدالة على صدق الرسول ، نقل الفخر عن «تفسير القاضي عبد الجبار» دلت الآية على أن المؤاخذة بالذنب لا تحصل إلّا بعد البيان وأن المؤاخذة تكون بعد حصول البينات لا بعد حصول اليقين من المكلف ، لأنه غير معذور في عدم حصول اليقين إن كانت الأدلة كافية.
وفي «الكشاف» روي أن قارئا قرأ هذه الآية فإن الله غفور رحيم فسمعه أعرابي فأنكره وقال لا يقول الحكيم كذا لا يذكر الغفران عند الزلل لأنه إغراء عليه ا ه وفي القرطبي عن «تفسير النقاش» نسبة مثل هذه القصة إلى كعب الأحبار ، وذكر الطيبي عن الأصمعي قال كنت أقرأ : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم ، ويجنبي أعرابي فقال كلام من هذا؟ قلت كلام الله ، قال : ليس هذا كلام الله فانتبهت فقرأت (أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة : ٣٨] فقال أصبت هذا كلام الله فقلت