وتخييلات شعرية كالخمر. الثاني ما هو زين حقيقة لكن له عواقب تجعله ضرا وأذى كالزنا. الثالث ما هو زين لكنه يحف به ما يصيره ذميما كنجدة الظالم وقد حضر لي التمثيل لثلاثتها بقول طرفة :
ولو لا ثلاث هنّ من عيشة الفتى |
|
وجدّك لم أحفل متى قام عوّدي |
فمنهن سبقي العاذلات بشربة |
|
كميت متى ما تعل بالماء تزبد |
وتقصير يوم الدّجن والدّجن معجب |
|
ببهكنة تحت الخباء المعمّد ٢ |
وكرّي إذا نادى المضاف مجنّبا |
|
كسيد الغضا نبّهته المتورّد |
وقوله : (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) عطف على جملة (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) إلخ ، وهذه حالة أعجب من التي قبلها وهي حالة التناهي في الغرور ؛ إذ لم يقتصروا على افتتانهم بزهرة الحياة الدنيا حتى سخروا بمن لم ينسج على منوالهم من المؤمنين الذين تركوا كثيرا من زهرة الحياة الدنيا لما هداهم الدين إلى وجوب ترك ذلك في أحوال وأنواع تنطوي على خبائث.
والسخر بفتحتين : كالفرح وقد تسكن الخاء تخفيفا وفعله كفرح والسّخرية الاسم ، وهو تعجب مشوب باحتقار الحال المتعجب منها ، وفعله قاصر لدلالته على وصف نفسي مثل عجب ، ويتعدى بمن جارّة لصاحب الحال المتعجّب منها فهي ابتدائية ابتداء معنويا ، وفي لغة تعديته بالباء وهي ضعيفة.
ووجه سخريتهم بالمؤمنين أنهم احتقروا رأيهم في إعراضهم عن اللذات لامتثال أمر الرسول وأفنوهم في ذلك ورأوهم قد أضاعوا حظوظهم وراء أوهام باطلة ، لأن الكفار اعتقدوا أن ما مضى من حياتهم في غير نعمة قد ضاع عليهم إذ لا خلود في الدنيا ولا حياة بعدها كما قال الشاعر (أنشده شمر) :
وأحمق ممن يلعق الماء قال لي |
|
دع الخمر واشرب من نقاخ (١) مبرّد |
فالسخرية ناشئة عن تزيين الحياة عندهم ولذلك يصح جعل الواو للحال ليفيد تقييد حالة التزيين بحالة السخرية ، فتتلازم الحالان ويقدر للجملة مبتدأ ، أي وهم يسخرون ، وقد قيل إن من جملة من كان الكفار يسخرون منهم بلالا وعمارا وصهيبا يقولون : هؤلاء المساكين تركوا الدنيا وطيباتها وتحملوا المشاق لطلب ما يسمونه بالآخرة وهي شيء
__________________
(١) النقاخ : الماء العذب.