باطل ، وممن كان يسخر بهم عبد الله بن أبيّ والمنافقون.
وجيء في فعل التزيين بصيغة الماضي وفي فعل السخرية بصيغة المضارع قضاء لحقي الدلالة على أن معنيين فعل التزيين أمر مستقر فيهم ؛ لأن الماضي يدل على التحقق ، وأن معنى (يَسْخَرُونَ) متكرر متجدد منهم ؛ لأن المضارع يفيد التجدد ويعلم السامع أن ما هو محقق بين الفعلين هو أيضا مستمر ؛ لأن الشيء الراسخ في النفس لا تفتر عن تكريره ، ويعلم أن ما كان مستمرا هو أيضا محقق ؛ لأن الفعل لا يستمر إلّا وقد تمكن من نفس فاعله وسكنت إليه ، فيكون المعنى في الآية : زيّن للذين كفروا وتزين الحياة الدنيا وسخروا ويسخرون من الذين آمنوا ، وعلى هذا فإنما اختير لفعل التزيين خصوص المضي ولفعل السخرية خصوص المضارعة إيثارا لكل من الصفتين بالفعل التي هي به أجدر ؛ لأن التزيين لما كان هو الأسبق في الوجود وهو منشأ السخرية أوثر بما يدل على التحقق ، ليدل على ملكة واعتمد في دلالته على الاستمرار بالاستتباع ، والسخرية لما كانت مترتبة على التزيين وكان تكررها يزيد في الذم ، إذ لا يليق بذي المروءة السخرية بغيره ، أوثرت بما يدل على الاستمرار واعتمد في دلالتها على التحقق دلالة الالتزام ، لأن الشيء المستمر لا يكون إلّا متحققا.
وقوله : (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ) أريد من الذين اتقوا المؤمنون الذين سخر منهم الذين كفروا ؛ لأن أولئك المؤمنين كانوا متقين ، وكان مقتضى الظاهر أن يقال وهم فوقهم لكن عدل عن الإضمار إلى اسم ظاهر لدفع إيهام أن يغتر الكافرون بأن الضمير عائد إليهم ويضموا إليه كذبا وتلفيقا كما فعلوا حين سمعوا قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) [النجم : ١٩] إذ سجد المشركون وزعموا أن محمدا أثنى على آلهتهم. فعدل لذلك عن الإضمار إلى الإظهار ولكنه لم يكن بالاسم الذي سبق أعني (الذين آمنوا) لقصد التنبيه على مزية التقوى وكونها سببا عظيما في هذه الفوقية ، على عادة القرآن في انتهاز فرص الهدى والإرشاد ليفيد فضل المؤمنين على الذين كفروا ، وينبه المؤمنين على وجوب التقوى لتكون سبب تفوقهم على الذين كفروا يوم القيامة ، وأما المؤمنون غير المتقين فليس من غرض القرآن أن يعبأ بذكر حالهم ليكونوا دوما بين شدة الخوف وقليل الرجاء ، وهذه عادة القرآن في مثل هذا المقام.
والفوقية هنا فوقية تشريف وهي مجاز في تناهي الفضل والسيادة كما استعير التحت لحالة المفضول والمسخّر والمملوك. وقيدت بيوم القيامة تنصيصا على دوامها ، لأن ذلك