الفطرة إصلاحا جزئيا فكان هديهم مختلف الأساليب على حسب اختلاف المصالح والأهلية وشدة الشكائم ، فكان من الأنبياء الميسر ومنهم المغلظ وأنه بعث محمدا لإكمال ذلك الإصلاح ، وإعادة الناس إلى الوحدة على الخير والهدى وذلك معنى قوله : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) إلخ.
وعن عطاء والحسن أن المعنى كان الناس أمة واحدة متفقين على الضلال والشر وهو يروى عن ابن عباس أيضا وعليه فعطف قوله (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) عطف على اللفظ الظاهر لا تقدير معه أي كانوا كذلك فبعث الله النبيئين فيعلم أن المراد ليرشدوا الناس إلى الحق بالتبشير والنذارة. فالمقصود من الآية على هذا التأويل إظهار أن ما بعث الله به النبيئين قد وقع فيه التغيير والاختلاف فيما بعثوا به وأن الله بعث محمدا بالقرآن لإرشادهم إلى ما اختلفوا فيه فيكون المقصود بيان مزية دين الإسلام وفضله على سائر الأديان بما كان معه من البيان والبرهان.
وأيّا ما كان المراد فإن فعل كان هنا مستعمل في أصل معناه وهو اتصاف اسمها المخبر عنه بمضمون خبرها في الزمن الماضي وأن ذلك قد انقطع ، إذ صار الناس منقسمين إلى فئتين فئة على الحق وفئة على الباطل.
فإن كان المراد الوحدة في الحق فقد حصل ذلك في زمن كان الغالب فيه على الناس الرشد والاستقامة والصلاح والإصلاح فلم يكونوا بحاجة إلى بعثة الرسل إلى أن اختلفت أحوالهم فظهر فيهم الفساد ، فقيل كان ذلك فيما بين آدم ونوح ونقل هذا عن ابن عباس وقتادة ومجاهد ، وقال ابن عطية قال قوم كان ذلك زمن نوح كفر رجل قومه فهلكوا بالطوفان إلّا من نجاه الله مع نوح فكان أولئك النفر الناجون أمة واحدة قائمة على الحق ، وقيل إنما كان الناس على الحق حين خلق الله الأرواح التي استودع في بني آدم ففطرها على الإسلام فأقروا له بالوحدانية والعبودية وهو ما في قوله تعالى في سورة الأعراف [١٧٢ ، ١٧٣] : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) على أحد تفاسير تلك الآية وروي هذا عن أبي بن كعب وجابر بن زيد والربيع بن سليمان.
وفي «تفسير الفخر» عن القاضي عبد الجبار وأبي مسلم الأصفهاني أن معنى الآية : كان الناس أمة واحدة في التمسك بالشرائع العقلية على وجود الخالق وصفاته واجتناب