الشطر بما ذكرنا لم يبق لذكر الشطر فائدة إذ يغني أن يقول : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ولكان الواجب التوجه إلى المسجد الحرام لا إلى خصوص الكعبة.
فإن قلت ما فائدة قوله : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) قبل قوله : (فَوَلِّ وَجْهَكَ) وهلا قال : في السماء فول وجهك إلخ ، قلت فائدته إظهار الاهتمام برغبة رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وأنها بحيث يعتنى بها كما دل عليه وصف القبلة بجملة (تَرْضاها).
ومعنى (نولينك) نوجهنك ، وفي التوجيه قرب معنوي لأن ولي المتعدي بنفسه إذا لم يكن بمعنى القرب الحقيقي فهو بمعنى الارتباط به ، ومنه الولاء والولي ، والظاهر أن تعديته إلى مفعول ثان من قبيل الحذف والتقدير ولى وجهه إلى كذا ثم يعدونه إلى مفعول ثالث بحرف عن فيقولون ولّى عن كذا وينزلونه منزلة اللازم بالنسبة للمفعولين الآخرين فيقدرون ولى وجهه إلى جهة كذا منصرفا عن كذا أي الذي كان يليه من قبل ، وباختلاف هاته الاستعمالات تختلف المعاني كما تقدم.
فالقبلة هنا اسم للمكان الذي يستقبله المصلى وهو إما مشتق من اسم الهيئة وإما من اسم المفعول (١) كما تقدم.
والمسجد الحرام المسجد المعهود عند المسلمين والحرام المجعول وصفا للمسجد هو الممنوع. أي الممنوع منع تعظيم وحرمة فإن مادة التحريم تؤذن بتجنب الشيء فيفهم التجنب في كل مقام بما يناسبه. وقد اشتهر عند العرب وصف مكة بالبلد الحرام أي الممنوع عن الجبابرة والظلمة والمعتدين ووصف بالمحرم في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم : (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) [إبراهيم: ٣٧] ، أي المعظم المحترم وسمي الحرم قال تعالى : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) [القصص : ٥٧] فوصف الكعبة بالبيت الحرام وحرم مكة بالحرم أوصاف قديمة شائعة عند العرب فأما اسم المسجد الحرام فهو من الألقاب القرآنية جعل علما على حريم الكعبة المحيط بها وهو محل الطواف والاعتكاف ولم يكن يعرف بالمسجد في زمن الجاهلية إذ لم تكن لهم صلاة ذات سجود والمسجد مكان السجود فاسم المسجد الحرام علم بالغلبة على المساحة المحصورة المحيطة بالكعبة ولها أبواب منها باب الصفا وباب بني شيبة ولما أطلق هذا العلم على ما أحاط بالكعبة لم يتردد الناس من المسلمين وغيرهم في المراد منه فالمسجد الحرام من الأسماء الإسلامية قبل
__________________
(١) وهو الذي استظهره المصنف. انظر شرح الآية ما قبل السابقة.