جبريل بذلك ، وعندي أنه إذا كان كذلك لزم أن يكون تقليب وجهه عند تهيؤ نزول الآية وإلّا لما كان يترقب جبريل فدل ذلك على أنه لم يتكرر منه هذا التقليب.
والفاء في (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ) فاء التعقيب لتأكيد الوعد بالصراحة بعد التمهيد لهابالكناية في قوله : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ) ، والتولية تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) [البقرة : ١٤٢] ، فمعنى (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً) لنوجهنك إلى قبلة ترضاها. فانتصب (قِبْلَةً) على التوسع بمنزلة المفعول الثاني وأصله لنولينك من قبلة وكذلك قوله : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ). والمعنى أن تولية وجهه للكعبة سيحصل عقب هذا الوعد. وهذا وعد اشتمل على أداتي تأكيد وأداة تعقيب وذلك غاية اللطف والإحسان.
وعبر بترضاها للدلالة على أن ميله إلى الكعبة ميل لقصد الخير بناء على أن الكعبة أجدر بيوت الله بأن يدل على التوحيد كما تقدم فهو أجدر بالاستقبال من بيت المقدس ، ولأن في استقبالها إيماء إلى استقلال هذا الدين عن دين أهل الكتاب. ولما كان الرضى مشعرا بالمحبة الناشئة عن تعقل اختير في هذا المقام دون تحبها أو تهواها أو نحوهما فإن مقام النبيصلىاللهعليهوسلم يربو عن أن يتعلق ميله بما ليس بمصلحة راجحة بعد انتهاء المصلحة العارضة لمشروعية استقبال بيت المقدس ، ألا ترى أنه لما جاء في جانب قبلتهم بعد أن نسخت جاء بقوله : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) الآية.
وقوله : (فَوَلِّ وَجْهَكَ) تفريع على الوعد وتعجيل به والمعنى فول وجهك في حالة الصلاة وهو مستفاد من قرينة سياق الكلام على المجادلة مع السفهاء في شأن قبلة الصلاة.
والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والأمر متوجه إليه باعتبار ما فيه من إرضاء رغبته ، وسيعقبه بتشريك الأمة معه في الأمر بقوله : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).
والشّطر بفتح الشين وسكون الطاء الجهة والناحية وفسره قتادة بتلقاء ، وكذلك قرأه أبي بن كعب ، وفسر الجبّائي وعبد الجبار الشطر هنا بأنه وسط الشيء ، لأن الشطر يطلق على نصف الشيء فلما أضيف إلى المسجد والمسجد مكان اقتضى أن نصفه عبارة عن نصف مقداره ومساحته وذلك وسطه ، وجعلا شطر المسجد الحرام كناية عن الكعبة لأنها واقعة من المسجد الحرام في نصف مساحته من جميع الجوانب (أي تقريبا) قال عبد الجبار ويدل على أن المراد ما ذكرنا وجهان أحدهما أن المصلى لو وقف بحيث يكون متوجها إلى المسجد ولا يكون متوجها إلى الكعبة لا تصح صلاته ، الثاني لو لم نفسر