وفي الإتيان باسم الإشارة في الموضعين التنبيه على أنهم أحرياء بما ذكر بعد اسم الإشارة من أجل ما ذكر قبل اسم الإشارة.
هذا وقد رتب حبط الأعمال على مجموع أمرين الارتداد والموت على الكفر ، ولم يقيد الارتداد بالموت عليه في قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) [المائدة : ٥] وقوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [الزمر : ٦٥] وقوله : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : ٨٨].
وقد اختلف العلماء في المرتد عن الإسلام إذا تاب من ردته ورجع إلى الإسلام ، فعند مالك وأبي حنيفة أن من ارتد من المسلمين ثم عاد إلى الإسلام وتاب لم ترجع إليه أعماله التي عملها قبل الارتداد فإن كان عليه نذور أو أيمان لم يكن عليه شيء منها بعد عودته إلى الإسلام ، وإن كان حج قبل أن يرتد ثم عاد إلى الإسلام استأنف الحج ولا يؤخذ بما كان عليه زمن الارتداد إلّا ما لو فعله في الكفر أخذ به. وقال الشافعي إذا عاد المرتد إلى الإسلام عادت إليه أعماله كلها ما له وما عليه.
فأما حجة مالك فقال ابن العربي قال علماؤنا إنما ذكر الله الموافاة (١) شرطا هاهنا ، لأنه علّق الخلود في النار عليها فمن أوفى على الكفر خلده الله في النار بهذه الآية ، ومن أشرك حبط عمله بالآية الأخرى فهما آيتان مفيدتان لمعنيين وحكمين متغايرين ا ه يريد أن بين الشرطين والجوابين هنا توزيعا فقوله : (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) جواب لقوله : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ). وقوله : (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) جواب لقوله : (فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) ، ولعل في إعادة (وَأُولئِكَ) إيذانا بأنه جواب ثان ، وفي إطلاق الآي الأخرى عن التقييد بالموت على الكفر قرينة على قصد هذا المعنى من هذا القيد في هذه الآية.
وفي هذا الاستدلال إلغاء لقاعدة حمل المطلق على المقيد ، ولعل نظر مالك في إلغاء ذلك أن هذه أحكام ترجع إلى أصول الدين ولا يكتفى فيها بالأدلة الظنية ، فإذا كان
__________________
(١) الموافاة لقب عند قدماء المتكلمين أول من عبر به الشيخ الأشعري ومعناها الحالة التي يختم بها عمر الإنسان من إيمان أو كفر ، فالكافر عند الأشعري من علم الله أنه يموت كافرا والمؤمن بالعكس وهي مأخوذة من إطلاق الموافاة على القدوم إلى الله تعالى أي رجوع روحه إلى عالم الأرواح.