الدليل المطلق يحمل على المقيد في فروع الشريعة فلأنه دليل ظني ، وغالب أدلة الفروع ظنية ، فأما في أصول الاعتقاد فأخذ من كل آية صريح حكمها ، وللنظر في هذا مجال ، لأن بعض ما ذكر من الأعمال راجع إلى شرائع الإسلام وفروعه كالحج.
والحجة للشافعي إعمال حمل المطلق على المقيد كما ذكره الفخر وصوبه ابن الفرس من المالكية.
فإن قلت فالعمل الصالح في الجاهلية يقرره الإسلام فقد قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم لحكيم بن حزام «أسلمت على ما أسلمت عليه من خير» ، فهل يكون المرتد عن الإسلام أقلّ حالا من أهل الجاهلية؟ فالجواب أن حالة الجاهلية قبل مجيء الإسلام حالة خلو عن الشريعة فكان من فضائل الإسلام تقريرها.
وقد بني على هذا خلاف في بقاء حكم الصحبة للذين ارتدوا بعد النبيصلىاللهعليهوسلم ثم رجعوا إلى الإسلام مثل قرة بن هبيرة العامري ، وعلقمة بن علاثة ، والأشعث بن قيس ، وعيينة بن حصن ، وعمرو بن معديكرب ، وفي «شرح القاضي زكريا على ألفية العراقي» : وفي دخول من لقي النبي صلىاللهعليهوسلم مسلما ثم ارتدّ ثم أسلم بعد وفاة الرسول في الصحابة نظر كبير ا ه قال حلولو في «شرح جمع الجوامع» ولو ارتد الصحابي في حياة الرسول صلىاللهعليهوسلم ورجع إلى الإيمان بعد وفاته جرى ذلك على الخلاف في الردة ، هل تحبط العمل بنفس وقوعها أو إنما تحبطه بشرط الوفاة عليها ، لأن صحبة الرسول صلىاللهعليهوسلم فضيلة عظيمة ، أما قبول روايته بعد عودته إلى الإسلام ففيها نظر ، أما من ارتد في حياة النبي صلىاللهعليهوسلم ورجع إلى الإسلام في حياته وصحبه ففضل الصحبة حاصل له مثل عبد الله بن سعد بن أبي سرح.
فإن قلت : ما السر في اقتران هذين الشرطين في هذه الآية مع خلو بقية نظائرها عن ثاني الشرطين ، قلت : تلك الآي الأخر جاءت لتهويل أمر الشرك على فرض وقوعه من غير معين كما في آية (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) [المائدة : ٥] أو وقوعه ممن يستحيل وقوعه منه كما في آية : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : ٨٨] وآية (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] فاقتصر فيها على ما ينشأ عن الشرك بعد الإيمان من حبط الأعمال ، ومن الخسارة بإجمال ، أما هذه الآية فقد وردت عقب ذكر محاولة المشركين ومعالجتهم ارتداد المسلمين المخاطبين بالآية ، فكان فرض وقوع الشرك والارتداد منهم أقرب ، لمحاولة المشركين ذلك بقتال المسلمين ، فذكر فيها زيادة تهويل وهو الخلود في النار.