وكانت هذه الآية من دلائل النبوة ، إذا وقع في عام الردة ، أن من بقي في قلبهم أثر الشرك حاولوا من المسلمين الارتداد وقاتلوهم على ذلك فارتد فريق عظيم وقام لها الصديقرضياللهعنه بعزمه ويقينه فقاتلهم فرجع منهم من بقي حيا ، فلولا هذه الآية لأيسوا من فائدة الرجوع إلى الإسلام وهي فائدة عدم الخلود في النار.
وقد أشار العطف في قوله : (فَيَمُتْ) بالفاء المفيدة للتعقيب إلى أن الموت يعقب الارتداد وقد علم كل أحد أن معظم المرتدين لا تحضر آجالهم عقب الارتداد فيعلم السامع حينئذ أن المرتد يعاقب بالموت عقوبة شرعية ، فتكون الآية بها دليلا على وجوب قتل المرتد.
وقد اختلف في ذلك علماء الأمة فقال الجمهور يستتاب المرتد ثلاثة أيام ويسجن لذلك فإن تاب قبلت توبته وإن لم يتب قتل كافرا وهذا قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وبه قال مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه سواء كان رجلا أو امرأة ، وقال أبو حنيفة في الرجل مثل قولهم ، ولم ير قتل المرتدة بل قال تسترق ، وقال أصحابه تحبس حتى تسلم ، وقال أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل وطاوس وعبيد الله بن عمرو وعبد العزيز بن الماجشون والشافعي يقتل المرتد ولا يستتاب ، وقيل يستتاب شهرا.
وحجة الجميع حديث ابن عباس «من بدل دينه فاقتلوه» وفعل الصحابة فقد قاتل أبو بكر المرتدين وأحرق علي السبائيّة الذين ادّعوا ألوهية عليّ ، وأجمعوا على أن المراد بالحديث من بدل دينه الذي هو الإسلام ، واتفق الجمهور على أن (من) شاملة للذكر والأنثى إلّا من شذ منهم وهو أبو حنيفة وابن شبرمة والثوري وعطاء والحسن القائلون لا تقتل المرأة المرتدة واحتجوا بنهي رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قتل النساء فخصوا به عموم «من بدّل دينه» ، وهو احتجاج عجيب ، لأن هذا النهي وارد في أحكام الجهاد ، والمرأة من شأنها ألا تقاتل ، فإنه نهي أيضا عن قتل الرهبان والأحبار أفيقول هؤلاء : إن من ارتد من الرهبان والأحبار بعد إسلامه لا يقتل؟
وقد شدد مالك وأبو حنيفة في المرتد بالزندقة أي إظهار الإسلام وإبطال الكفر فقالا : يقتل ولا تقبل توبته إذا أخذ قبل أن يأتي تائبا.
ومن سبّ النبي صلىاللهعليهوسلم قتل ولا تقبل توبته.
هذا ، واعلم أن الردة في الأصل هي الخروج من عقيدة الإسلام عند جمهور