وهو على معنى التشبيه البليغ ، والمراد بالأخوة أخوة الإسلام التي تقتضي المشاورة والرفق والنصح. ونقل الفخر عن الفراء «لو نصبته كان صوابا بتقدير فإخوانكم تخالطون» وهو تقدير سمج ، ووجود الفاء في الجواب ينادي على أن الجواب جملة اسمية محضة ، وبعد فمحمل كلام الفراء على إرادة جواز تركيب مثله في الكلام العربي لا على أن يقرأ به ، ولعل الفراء كان جريئا على إساغة قراءة القرآن بما يسوغ في الكلام العربي دون اشتراط صحة الرواية.
والمقصود من هذه الجملة الحث على مخالطتهم لأنه لما جعلهم إخوانا كان من المتأكد مخالطتهم والوصاية بهم في هاته المخالطة ، لأنهم لما كانوا إخوانا وجب بذل النصح لهم كما يبذل للأخ وفي الحديث «حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» ، ويتضمن ذلك التعريض بإبطال ما كانوا عليه من احتقار اليتامى والترفع عن مخالطتهم ومصاهرتهم. قال تعالى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) [النساء : ١٢٧] أي عن أن تنكحوهن لأن الأخوة تتضمن معنى المساواة فيبطل الترفع.
وقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) وعد ووعيد ، لأن المقصود من الأخبار بعلم الله الإخبار بترتب آثار العلم عليه ، وفي هذا إشارة إلى أن ما فعله بعض المسلمين من تجنب التصرف في أموال اليتامى تنزه لا طائل تحته لأن الله يعلم المتصرف بصلاح والمتصرف بغير صلاح وفيه أيضا ترضية لولاة الأيتام فيما ينالهم من كراهية بعض محاجيرهم وضربهم على أيديهم في التصرف المالي وما يلاقون في ذلك من الخصاصة ، فإن المقصد الأعظم هو إرضاء الله تعالى لا إرضاء المخلوقات ، وكان المسلمون يومئذ لا يهتمون إلّا بمرضاة الله تعالى وكانوا يحاسبون أنفسهم على مقاصدهم ، وفي هذه إشارة إلى أنه ليس من المصلحة أن يعرض الناس عن النظر في أموال اليتامى اتقاء لألسنة السوء ، وتهمة الظن بالإثم فلو تمالأ الناس على ذلك وقاية لأعراضهم لضاعت اليتامى ، وليس هذا من شأن المسلمين فإن على الصلاح والفساد دلائل ووراء المتصرفين عدالة القضاة وولاة الأمور يجازون المصلح بالثناء والحمد العلن ويجازون المفسد بالبعد بينه وبين اليتامى وبالتغريم بما أفاته بدون نظر.
و (من) في قوله : (مِنَ الْمُصْلِحِ) تفيد معنى الفصل والتمييز وهو معنى أثبته لها ابن مالك في «التسهيل» قائلا «وللفصل» وقال في «الشرح» : «وأشرت بذكر الفصل إلى دخولها على ثاني المتضادين نحو (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) و (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ