جميع الإصلاح لا خصوص إصلاح ذواتهم فيشمل إصلاح ذواتهم وهو في الدرجة الأولى ويتضمن ذلك إصلاح عقائدهم وأخلاقهم بالتعليم الصحيح والآداب الإسلامية ومعرفة أحوال العالم ، ويتضمن إصلاح أمزجتهم بالمحافظة عليهم من المهلكات والأخطار والأمراض وبمداواتهم ، ودفع الأضرار عنهم بكفاية مؤنهم من الطعام واللباس والمسكن بحسب معتاد أمثالهم دون تقتير ولا سرف ، ويشمل إصلاح أموالهم بتنميتها وتعهدها وحفظها. ولقد أبدع هذا التعبير ، فإنه لو قيل إصلاحهم لتوهم قصره على ذواتهم فيحتاج في دلالة الآية على إصلاح الأموال إلى القياس ولو قيل قل تدبيرهم خير لتبادر إلى تدبير المال فاحتيج في دلالتها على إصلاح ذواتهم إلى فحوى الخطاب.
و (خَيْرٌ) في الآية يحتمل أن يكون أفعل تفضيل إن كان خطابا للذين حملهم الخوف من أكل أموال اليتامى على اعتزال أمورهم وترك التصرف في أموالهم بعلة الخوف من سوء التصرف فيها كما يقال :
إن السلامة من سلمى وجارتها |
|
أن لا تحل على حال بواديها |
فالمعنى إصلاح أمورهم خير من إهمالهم أي أفضل ثوابا وأبعد عن العقاب ، أي خير في حصول غرضكم المقصود من إهمالهم فإنه ينجر منه إثم الإضاعة ولا يحصل فيه ثواب السعي والنصيحة ، ويحتمل أن يكون صفة مقابل الشر إن كان خطابا لتغيير الأحوال التي كانوا عليها قبل الإسلام ، فالمعنى إصلاحهم في أموالهم وأبدانهم وترك إضاعتهم في الأمرين كما تقدم خير ، وهو تعريض بأن ما كانوا عليه في معاملتهم ليس بخير بل هو شر ، فيكون مرادا من الآية على هذا : التشريع والتعريض إذ التعريض يجامع المعنى الأصلي ، لأنه من باب الكناية والكناية تقع مع إرادة المعنى الأصلي.
وجملة (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) عطف على جملة (إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) والمخالطة مفاعلة من الخلط وهو جمع الأشياء جمعا يتعذر معه تمييز بعضها عن بعض فيما تراد له ، فمنه خلط الماء بالماء والقمح والشعير وخلط الناس ومنه اختلط الحابل بالنابل ، وهو هنا مجاز في شدة الملابسة والمصاحبة والمراد بذلك ما زاد على إصلاح المال والتربية عن بعد فيشمل المصاحبة والمشاركة والكفالة والمصاهرة إذ الكل من أنواع المخالطة.
وقوله : (فَإِخْوانُكُمْ) جواب الشرط ولذلك قرن بالفاء لأن الجملة الاسمية غير صالحة لمباشرة أداة الشرط ولذلك ف (إخوانكم) خبر مبتدأ محذوف تقديره فهم إخوانكم،