(وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (١٤٤).
اعتراض بين جملة : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وجملة (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ) [البقرة : ١٤٩] الآية. والأظهر أن المراد بالذين أوتوا الكتاب أحبار اليهود وأحبار النصارى كما روى عن السّدّي كما يشعر به التعبير عنهم بصلة : (أُوتُوا الْكِتابَ) دون أن يقال وإنّ أهل الكتاب. ومعنى كونهم يعلمون أنه الحق أن علمهم بصدق محمد صلىاللهعليهوسلم حسب البشارة به في كتبهم يتضمن أن ما جاء به حق. والأظهر أيضا أن المراد بالذين أوتوا الكتاب هم الذين لم يزالوا على الكفر ليظهر موقع قوله : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) فإن الإخبار عنهم بأنهم يعلمون أنه الحق مع تأكيده بمؤكّدين ، يقتضي أن ظاهر حالهم إذ أنكروا استقبال الكعبة أنهم أنكروه لاعتقادهم بطلانه وأن المسلمين يظنونهم معتقدين ذلك ، وليظهر موقع قوله (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) الذي هو تهديد بالوعيد.
وقد دل التعريف في قوله : (أَنَّهُ الْحَقُ) على القصر أي يعلمون أن الاستقبال للكعبة هو الحق دون غيره تبعا للعلم بنسخ شريعتهم بشريعة الإسلام ، وقيل إنهم كانوا يجدون في كتبهم أن قبلتهم ستبطل ولعل هذا مأخوذ من إنذارات أنبيائهم مثل أرميا وأشعيا المنادية بخراب بيت المقدس فإن استقباله يصير استقبال الشيء المعدوم.
وقوله : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) قرأه الجمهور بياء الغيبة والضمير للذين أوتوا الكتاب أي عن عملهم بغير ما علموا فالمراد بما يعملون هذا العمل ونحوه من المكابرة والعناد والسفه. وهذا الخبر كناية عن الوعيد بجزائهم عن سوء صنعهم لأن قول القادر ما أنا بغافل عن المجرم تحقيق لعقابه إذ لا يحول بين القادر وبين الجزاء إلّا عدم العلم فلذلك كان وعيدا لهم ووعيدهم يستلزم في المقام الخطابي وعدا للمسلمين لدلالته على عظيم منزلتهم فإن الوعيد إنما ترتب على مخالفتهم للمؤمنين فلا جرم أن سيلزم جزاء للمؤمنين على امتثال تغيير القبلة ، ولأن الذي لا يغفل عن عمل أولئك لا يغفل عن عمل هؤلاء فيجازي كلا بما يستحق.
وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر وروح عن يعقوب بتاء الخطاب فهو كناية عن وعد للمسلمين على الامتثال لاستقبال الكعبة. ويستلزم وعيدا للكافرين على