هم ببعيد عن أقربائهم من أهل مكة فربما رغب بعضهم في تزوج المشركات أو رغب بعض المشركين في تزوج نساء مسلمات فبين الله الحكم في هذه الأحوال ، وقد أوقع هذا البيان بحكمته في أرشق موقعه وأسعده به وهو موقع تعقيب حكم مخالطة اليتامى ، فإن للمسلمين يومئذ أقارب وموالي لم يزالوا مشركين ومنهم يتامى فقدوا آباءهم في يوم بدر وما بعده فلما ذكر الله بيان مخالطة اليتامى ، وكانت المصاهرة من أعظم أحوال المخالطة تطلعت النفوس إلى حكم هاته المصاهرة بالنسبة للمشركات والمشركين ، فعطف حكم ذلك على حكم اليتامى لهاته المناسبة.
روى الواحدي وغيره من المفسرين أن سبب نزول هذه الآية أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث أبا مرثد الغنوي ويقال مرثدا بن أبي مرثد واسمه كنّاز بن حصين وكان حليفا لبني هاشم فبعثه إلى مكة سرا ليخرج رجلا من المسلمين فسمعت بقدومه امرأة يقال لها عناق وكانت خليلة له في الجاهلية فأتته فقالت : ويحك يا مرثد ألا تخلو؟ فقال : إن الإسلام حرّم ما كان في الجاهلية فقالت : فتزوجني قال : حتى أستأذن رسول الله فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم فاستأذنه فنهاه عن التزوج بها ، لأنها مشركة فنزلت هذه الآية بسببه.
والنكاح في كلام العرب حقيقة في العقد على المرأة ، ولذلك يقولون نكح فلان فلانة ويقولون نكحت فلانة فلانا فهو حقيقة في العقد ، لأن الكثرة من أمارات الحقيقة وأما استعماله في الوطء فكناية ، وقيل هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد. واختاره فقهاء الشافعية وهو قول ضعيف في اللغة ، وقيل حقيقة فيهما فهو مشترك وهو أضعف. قالوا ولم يرد في القرآن إلّا بمعنى العقد فقيل إلّا في قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة : ٢٣٠] ، لأنه لا يكفي العقد في تحليل المبتوتة حتى يبني بها زوجها كما في حديث زوجة رفاعة ولكن الأصوب أن تلك الآية بمعنى العقد وإنما بينت السنة أنه لا بد مع العقد من الوطء وهذا هو الظاهر ، والمنع في هذه الآية متعلق بالعقد بالاتفاق.
والمشرك في لسان الشرع من يدين بتعدد آلهة مع الله سبحانه ، والمراد به في مواضعه من القرآن مشركو العرب الذين عبدوا آلهة أخرى مع الله تعالى ويقابلهم في تقسيم الكفار أهل الكتاب وهم الذين آمنوا بالله ورسله وكتبه ولكنهم أنكروا رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم.
ونص هذه الآية تحريم تزوج المسلم المرأة المشركة وتحريم تزويج المسلمة الرجل المشرك فهي صريحة في ذلك ، وأما تزوج المسلم المرأة الكتابية وتزويج المسلمة الرجل