الكتابي فالآية ساكتة عنه ، لأن لفظ المشرك لقب لا مفهوم له إلّا إذا جرى على موصوف كما سنبينه عند قوله تعالى : (خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) ، وقد أذن القرآن بجواز تزوج المسلم الكتابية في قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [المائدة : ٥] في سورة العقود فلذلك قال جمهور العلماء بجواز تزوج المسلم الكتابية دون المشركة والمجوسية وعلى هذا الأئمة الأربعة والأوزاعي والثوري ، فبقي تزويج المسلمة من الكتابي لا نص عليه ومنعه جميع المسلمين إما استنادا منهم إلى الاقتصار في مقام بيان التشريع وإما إلى أدلة من السنة ومن القياس وسنشير إليه أو من الإجماع وهو أظهر. وذهبت طوائف من أهل العلم إلى الاستدلال لفقه هذه المسألة بطريقة أخرى فقالوا أهل الكتاب صاروا مشركين لقول اليهود عزير ابن الله ولقول النصارى المسيح ابن الله وأبوة الإله تقتضي ألوهية الابن ، وإلى هذا المعنى جنح عبد الله بن عمر ففي «الموطأ» عنه «لا أعلم شركا أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى» ولكن هذا مسلك ضعيف جدا ، لأن إدخال أهل الكتاب في معنى المشركين بعيد عن الاصطلاح الشرعي ، ونزلت هذه الآية وأمثالها وهو معلوم فاش ، ولأنه إذا تم في النصارى باطراد فهو لا يتم في اليهود ، لأن الذين قالوا عزير ابن الله إنما هم طائفة قليلة من اليهود وهم أتباع (فنحاص) كما حكاه الفخر فإذا كانت هذه الآية تمنع أن يتزوج المسلم امرأة يهودية أو نصرانية وأن يزوج أحد من اليهود والنصارى مسلمة فإن آية سورة العقود خصصت عموم المنع بصريح قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [المائدة : ٥] ، وقد علم الله قولهم المسيح ابن الله وقول الآخرين عزير ابن الله فبقي تزويج المسلمة إياهم مشمولا لعموم آية البقرة ، وهذا مسلك سلكه بعض الشافعية.
ومن علماء الإسلام من كره تزوج الكتابية وهو قول مالك في رواية ابن حبيب وهو رواية عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى حذيفة بن اليمان وقد بلغه أنه تزوج يهودية أو نصرانية أن خل سبيلها ، فكتب إليه حذيفة أتزعم أنها حرام؟ فقال عمر : لا ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن.
وقال شذوذ من العلماء بمنع تزوج المسلم الكتابية ، وزعموا أن آية سورة العقود نسختها آية سورة البقرة ، ونقل ذلك عن ابن عمر وابن عباس وفي رواية ضعيفة عن عمر بن الخطاب أنه فرق بين طلحة بن عبيد الله ويهودية تزوجها وبين حذيفة بن اليمان ونصرانية تزوجها ، فقالا له نطلّق يا أمير المؤمنين ولا تغضب فقال : لو جاز طلاقكما