لجاز نكاحكما ، ولكن أفرق بينكما صغرة وقماءة ، قال ابن عطية وهذا لا يسند جيدا والأثر الآخر عن عمر أسند منه ، وقال الطبري هو مخالف لما أجمعت عليه الأمة وقد روي عن عمر بن الخطاب من القول بخلاف ذلك ما هو أصح منه وإنما كره عمر لهما تزوجهما حذرا من أن يقتدي بهما الناس فيزهدوا في المسلمات.
و (حَتَّى يُؤْمِنَ) غاية للنهي فإذا آمنّ زال النهي ولذلك إذا أسلم المشرك ولم تسلم زوجته تبين منه إلّا إذا أسلمت عقب إسلامه بدون تأخير.
وقوله : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) تنبيه على دناءة المشركات وتحذير من تزوجهن ومن الاغترار بما يكون للمشركة من حسب أو جمال أو مال وهذه طرائق الإعجاب في المرأة المبالغ عليه بقوله : (وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) وأن من لم يستطع تزوج حرة مؤمنة فليتزوج أمة مؤمنة خير له من أن يتزوج حرة مشركة ، فالأمة هنا هي المملوكة ، والمشركة الحرة بقرينة المقابلة بقوله : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ) فالكلام وارد مورد التناهي في تفضيل أقل أفراد هذا الصنف على أتم أفراد الصنف الآخر ، فإذا كانت الأمة المؤمنة خيرا من كل مشركة فالحرة المؤمنة خير من المشركة بدلالة فحوى الخطاب التي يقتضيها السياق ، ولظهور أنه لا معنى لتفضيل الأمة المؤمنة على الأمة المشركة فإنه حاصل بدلالة فحوى الخطاب لا يشك فيه المخاطبون المؤمنون ولقوله : (وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) فإن الإعجاب بالحرائر دون الإماء.
والمقصود من التفضيل في قوله : (خَيْرٌ) التفضيل في المنافع الحاصلة من المرأتين ؛ فإن في تزوج الأمة المؤمنة منافع دينية وفي الحرة المشركة منافع دنيوية ومعاني الدين خير من أعراض الدنيا المنافية للدين فالمقصود منه بيان حكمة التحريم استئناسا للمسلمين.
ووقع في «الكشاف» حمل الأمة على مطلق المرأة ، لأن الناس كلهم إماء الله وعبيده وأصله منقول عن القاضي أبي الحسن الجرجاني كما في القرطبي وهذا باطل من جهة المعنى ومن جهة اللفظ ، أما المعنى فلأنه يصير تكرارا مع قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) إذ قد علم الناس أن المشركة دون المؤمنة ، ويفيت المقصود من التنبيه على شرف أقلّ أفراد أحد الصنفين على أشرف أفراد الصنف الآخر ، وأما من جهة اللفظ فلأنه لم يرد في كلام العرب إطلاق الأمة على مطلق المرأة ، ولا إطلاق العبد على الرجل إلّا مقيّدين بالإضافة إلى اسم الجلالة في قولهم يا عبد الله ويا أمة الله ، وكون الناس إماء الله