وعبيده إنما هو نظر للحقائق لا للاستعمال ، فكيف يخرّج القرآن عليه.
وضمير (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) يعود إلى المشركة ، و (لو) وصلية للتنبيه على أقصى الأحوال التي هي مظنة تفضيل المشركة ، فالأمة المؤمنة أفضل منها حتى في تلك الحالة وقد مضى القول في موقع لو الوصلية والواو التي قبلها والجملة التي بعدها عند قوله تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) [البقرة : ١٧٠].
وقوله : (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) تحريم لتزويج المسلمة من المشرك ، فإن كان المشرك محمولا على ظاهره في لسان الشرع فالآية لم تتعرض لحكم تزويج المسلمة من الكافر الكتابي فيكون دليل تحريم ذلك الإجماع وهو إما مستند إلى دليل تلقاه الصحابة من النبي صلىاللهعليهوسلم وتواتر بينهم ، وإما مستند إلى تضافر الأدلة الشرعية كقوله تعالى : (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) [الممتحنة : ١٠] فعلق النهي بالكفر وهو أعم من الشرك وإن كان المراد حينئذ المشركين ، وكقوله تعالى هنا : (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) كما سنبينه.
وقوله : (حَتَّى يُؤْمِنُوا) غاية للنهي ، وأخذ منه أن الكافر إذا أسلمت زوجته يفسخ النكاح بينهما ثم إذا أسلم هو كان أحق بها ما دامت في العدة.
وقوله : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) هو كقوله : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) وأن المراد به المملوك وليس المراد الحر المشرك وقد تقدم ذلك.
وقوله : (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) الإشارة إلى المشركات والمشركين ، إذ لا وجه لتخصيصه بالمشركين خاصة لصلوحيته للعود إلى الجميع ، والواو في (يَدْعُونَ) واو جماعة الرجال ووزنه يفعون ، وغلّب فيه المذكر على المؤنث كما هو الشائع ، والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لتعليل النهي عن نكاح المشركات وإنكاح المشركين ، ومعنى الدعاء إلى النار الدعاء إلى أسبابها فإسناد الدعاء إليهم حقيقة عقلية ، ولفظ النار مجاز مرسل أطلق على أسباب الدخول إلى النار فإن ما هم عليه يجر إلى النار من غير علم ، ولما كانت رابطة النكاح رابطة اتصال ومعاشرة نهي عن وقوعها مع من يدعون إلى النار خشية أن تؤثر تلك الدعوة في النفس ، فإن بين الزوجين مودة وإلفا يبعثان على إرضاء أحدهما الآخر ولما كانت هذه الدعوة من المشركين شديدة لأنهم لا يوحدون الله ولا يؤمنون بالرسل ، كان البون بينهم وبين المسلمين في الدين بعيدا جدا لا يجمعهم شيء يتفقون عليه ، فلم يبح الله مخالطتهم بالتزوج من كلا الجانبين. أما أهل الكتاب فيجمع بينهم وبين