تشبيه العدد الكثير من أفراد الجنس بعموم جميع أفراده حتى إنه يرد فيما لا يتصور فيه عموم أفراد ، مثل قوله هنا (بِكُلِّ آيَةٍ) فإن الآيات لا يتصور لها عدد يحاط به ، ومثله قوله تعالى : (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [النحل : ٦٩] وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس : ٩٦] وقال النابغة :
بها كلّ ذيّال وخنساء ترعوى |
|
إلى كلّ رجاف من الرمل فارد |
وتكرر هذا ثلاث مرات في قول عنترة :
جادت عليه كل بكر حرّة |
|
فتركن كلّ قرارة كالدّرهم |
سحّا وتسكابا فكلّ عشيّة |
|
يجري إليها الماء لم يتصرّم |
وصاحب «القاموس» قال في مادة كل «وقد جاء استعمال كل بمعنى بعض ضدّ» فأثبت الخروج عن معنى الإحاطة ولكنه جازف في قوله «بمعنى بعض» وكان الأصوب أن يقول بمعنى كثير.
والمعنى أن إنكارهم أحقّيّة الكعبة بالاستقبال ليس عن شبهة حتى تزيله الحجة ولكنه مكابرة وعناد فلا جدوى في إطناب الاحتجاج عليهم.
وإضافة قبلة إلى ضمير الرسول لأنها أخص به لكونها قبلة شرعه ، ولأنه سألها بلسان الحال.
وإفراد القبلة في قوله : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) مع كونهما قبلتين ، إن كان لكل من أهل الكتاب قبلة معينة ، وأكثر من قبلة إن لم تكن لهم قبلة معينة وكانوا مخيّرين في استقبال الجهات ، فإفراد لفظ (قبلتهم) على معنى التوزيع لأنه إذا اتّبع قبلة إحدى الطائفتين كان غير متبع قبلة الطائفة الأخرى.
والمقصود من قوله : (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) إظهار مكابرتهم تأييسا من إيمانهم ، ومن قوله : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) تنزيه النبي وتعريض لهم باليأس من رجوع المؤمنين إلى استقبال بيت المقدس ، وفي قوله : (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) تأنيس للنبي بأنّ هذا دأبهم وشنشنتهم من الخلاف فقديما خالف بعضهم بعضا في قبلتهم حتى خالفت النصارى قبلة اليهود مع أن شريعة اليهود هي أصل النصرانية.
وجملة : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) معطوفة على جملة : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) وما بينهما اعتراض. وفائدة هذا العطف بعد الإخبار بأنه لا يتبع قبلتهم زيادة تأكيد الأمر