الْبَيْعَ) [البقرة : ٢٧٥] وقوله : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) [البقرة : ٢٢٧] وهذا التعريف هو الذي أشار صاحب «الكشاف» إلى اختياره ، فالمقصود هنا الطلاق الرجعي الذي سبق الكلام عليه آنفا في قوله : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ) [البقرة : ٢٢٨] فإنه الطلاق الأصلي ، وليس في أصل الشريعة طلاق بائن غير قابل للمراجعة لذاته ، إلّا الطلقة الواقعة ثالثة ، بعد سبق طلقتين قبلها فإنها مبينة بعد وأما ما عداها من الطلاق البائن الثابت بالسنة ، فبينونته لحق عارض كحق الزوجة فيما تعطيه من مالها في الخلع ، ومثل الحق الشرعي في تطليق اللعان ، لمظنة انتفاء حسن المعاشرة بعد أن تلاعنا ، ومثل حق المرأة في حكم الحاكم لها بالطلاق للإضرار بها ، وحذف وصف الطلاق ، لأن السياق دال عليه ، فصار التقدير : الطلاق الرجعي مرتان. وقد أخبر عن الطلاق بأنه مرتان ، فعلم أن التقدير : حق الزوج في إيقاع التطليق الرجعي مرتان ، فأما الطلقة الثالثة فليست برجعيّة. وقد دل على هذا قوله تعالى بعد ذكر المرتين : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) وقوله بعده : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة : ٢٣٠] الآية وقد روي مثل هذا التفسير عن النبي صلىاللهعليهوسلم : روي أبو بكر بن أبي شيبة : «أن رجلا جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال أرأيت قول الله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) فأين الثالثة فقال رسول الله عليهالسلام : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» وسؤال الرجل عن الثالثة ، يقتضي أن نهاية الثلاث كانت حكما معروفا إما من السنة وإما من بقية الآية ، وإنما سأل عن وجه قوله (مرتان) ولما كان المراد بيان حكم جنس الطلاق ، باعتبار حصوله من فاعله ، وهو إنما يحصل من الأزواج كان لفظ الطلاق آئلا إلى معنى التطليق ، كما يؤول السلام إلى معنى التسليم.
وقوله (مَرَّتانِ) ، تثنية مرة ، والمرة في كلامهم الفعلة الواحدة من موصوفها أو مضافها ، فهي لا تقع إلا جارية على حدث ، بوصف ونحوه ، أو بإضافة ونحوها ، وتقع مفردة ، ومثناة ، ومجموعة ، فتدل على عدم تكرر الفعل ، أو تكرر فعله تكررا واحدا ، أو تكرره تكررا متعددا ، قال تعالى : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) [التوبة : ١٠١] وتقول العرب «نهيتك غير مرة فلم تنته» أي مرارا ، وليس لفظ المرة بمعنى الواحدة من الأشياء الأعيان ، ألا ترى أنك تقول : أعطيتك درهما مرتين ، إذا أعطيته درهما ثم درهما ، فلا يفهم أنك أعطيته درهمين مقترنين ، بخلاف قولك أعطيتك درهمين.
فقوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) يفيد أن الطلاق الرجعي شرع فيه حق التكرير إلى حد مرتين ، مرة عقب مرة أخرى لا غير ، فلا يتوهم منه في فهم أهل اللسان أن المراد :