أن يكون الخطاب كله للحكام وتأول قوله : (أَنْ تَأْخُذُوا). وقوله : (مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَ) بأن إسناد الأخذ والإتيان للحكام ، لأنهم الذين يأمرون بالأخذ والإعطاء ، ورجحه البيضاوي بسلامته من تشويش الضمائر بدون نكتة التفات ووهنه صاحب «الكشاف» وغيره بأن الخلع قد يقع بدون ترافع ، فما آتاه الأزواج لأزواجهم من المهور لم يكن أخذه على يد الحكام فبطل هذا الوجه ، ومعنى لا يحل لا يجوز ولا يسمح به ، واستعمال الحل والحرمة في هذا المعنى وضده قديم في العربية ، قال عنترة :
يا شاة ما قنص لمن حلت له |
|
حرمت على وليتها لم تحرم |
وقال كعب :
إذا يساور قرنا لا يحل له |
|
أن يترك القرن إلا وهو مجدول |
وجيء بقوله : (شَيْئاً) لأنه من النكرات المتوغلة في الإبهام ، تحذيرا من أخذ أقل قليل بخلاف ما لو قال مالا أو نحوه ، وهذا الموقع من محاسن مواقع كلمة شيء التي أشار إليها الشيخ في «دلائل الإعجاز». وقد تقدم بسط ذلك عند قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) [البقرة : ١٥٥].
وقوله : (إِلَّا أَنْ يَخافا) قرأه الجمهور بفتح ياء الغيبة ، فالفعل مسند للفاعل ، والضمير عائد إلى المتخالعين المفهومين من قوله : (أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) وكذلك ضمير (يَخافا أَلَّا يُقِيما) وضمير (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) ، وأسند هذا الفعل لهما دون بقية الأمة لأنهما اللذان يعلمان شأنهما. وقرأ حمزة وأبو جعفر ويعقوب بضم ياء الغائب والفعل مبني للنائب والضمير للمتخالعين ؛ والفاعل محذوف هو ضمير المخاطبين ؛ والتقدير : إلا أن تخافوهما ألا يقيما حدود الله.
والخوف توقع حصول ما تكرهه النفس وهو ضد الأمن. ويطلق على أثره وهو السعي في مرضاة المخوف منه ، وامتثال أوامره كقوله : (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٧٥] وترادفه الخشية ، لأن عدم إقامة حدود الله مما يخافه المؤمن ، والخوف يتعدى إلى مفعول واحد ، قال تعالى : (فَلا تَخافُوهُمْ). وقال الشاعر يهجو رجلا من فقعس أكل كلبه واسمه حبتر :
يا حبتر لم أكلته لمه |
|
لو خافك الله عليه حرمه |
وخرج ابن جني في «شرح الحماسة» ، عليه قول الأحوص فيها على أحد تأويلين :