(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) [البقرة : ٢٤٠] أي يقاربون الوفاة ، لأنه حين الوصية. الثالث : إرادته نحو (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) [المائدة : ٦]. الرابع : القدرة عليه نحو (وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) [الأنبياء : ١٠٤] أي قادرين.
والأجل في كلام العرب يطلق على المدة التي يمهل إليها الشخص في حدوث حادث معين ، ومنه قولهم : ضرب له أجلا (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) [القصص : ٢٨].
والمراد بالأجل هنا آخر المدة ، لأن قوله : (فَبَلَغْنَ) مؤذن بأنه وصول بعد مسير إليه ، وأسند (بلغن) إلى النساء لأنهن اللاتي ينتظرن انقضاء الأجل ، ليخرجن من حبس العدة ، وإن كان الأجل للرجال والنساء معا ، للأوّلين توسعة للمراجعة ، وللأخيرات تحديدا للحل للتزوج. وأضيف الأجل إلى ضمير النساء لهاته النكتة.
والقول في الإمساك والتسريح مضى قريبا. وفي هذا الوجه تكرير الحكم المفاد بقوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) [البقرة : ٢٢٩] فأجيب عن هذا بما قاله الفخر : إن الآية السابقة أفادت التخيير بين الإمساك والتسريح في مدة العدة ، وهذه أفادت ذلك التخيير في آخر أوقات العدة ، تذكيرا بالإمساك وتحريضا على تحصيله ، ويستتبع هذا التذكير الإشارة إلى الترغيب في الإمساك ، من جهة إعادة التخيير بعد تقدم ذكره ، وذكر التسريح هنا مع الإمساك ، ليظهر معنى التخيير بين أمرين وليتوسل بذلك إلى الإشارة إلى رغبة الشريعة في الإمساك وذلك بتقديمه في الذكر ؛ إذ لو يذكر الأمران لما تأتى التقديم المؤذن بالترغيب وعندي أنه على هذا الوجه أعيد الحكم ، وليبني عليه ما قصد من النهي عن الضرار وما تلا ذلك من التحذير والموعظة وذلك كله مما أبعد عن تذكره الجمل السابقة التي اقتضى الحال الاعتراض فيها.
وقوله : (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) قيد التسريح هنا بالمعروف ، وقيد في قوله السالف (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) ، بالإحسان للإشارة إلى أن الإحسان المذكور هنالك ، هو عين المعروف الذي يعرض للتسريح ، فلما تقدم ذكره لم يحتج هنا إلى الفرق بين قيده وقيد الإمساك. أو لأن إعادة أحوال الإمساك والتسريح هنا ليبنى عليه النهي عن المضارة ، والذي تخاف مضارته بمنزلة بعيدة عن أن يطلب منه الإحسان ، فطلب منه الحق ، وهو المعروف الذي عدم المضارة من فروعه ، سواء في الإمساك أو في التسريح ، ومضارة كل بما يناسبه.
وقال ابن عرفة : «تقدم أن المعروف أخف من الإحسان فلما وقع الأمر في الآية