على الأب وعلى من بقي من الأب والأم معنى يعتد به» يعني أن إرادة الباقي تشمل صورة ما إذا كان الباقي الأب ولا معنى لعطفه على نفسه بهذا الاعتبار. وفي «المدونة» عن زيد بن أسلم وربيعة أن الوارث هو ولي الرضيع عليه مثل ما على الأب من عدم المضارة.
هذا كله على أن الآية محكمة لا منسوخة وأن المشار إليه بقوله : (مِثْلُ ذلِكَ) هو الرزق والكسوة. وقال جماعة : الإشارة بقوله : (مِثْلُ ذلِكَ) راجعة إلى النهي عن المشارة. قال ابن عطية : وهو لمالك وجميع أصحابه والشعبي والزهري والضحاك ا ه.
وفي «المدونة» في ترجمة ما جاء فيمن تلزم النفقة من كتاب إرخاء الستور عن ابن القاسم قال مالك (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) أي ألا يضار. واختاره ابن العربي بأنه الأصل فقال القرطبي : يعني في الرجوع إلى أقرب مذكور ، ورجحه ابن عطية بأن الأمة أجمعت على ألا يضار الوارث. واختلفوا : هل عليه رزق وكسوة ا ه يعني مورد الآية بما هو مجمع على حكمه ويترك ما فيه الخلاف.
وهنالك تأويل بأنها منسوخة ، رواه أسد بن الفرات عن ابن القاسم عن مالك قال : «وقول الله عزوجل : (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) هو منسوخ فقال النحاس : «ما علمت أحدا من أصحاب مالك بين ما الناسخ ، والذي يبينه أن يكون الناسخ لها عند مالك أنه لما أوجب الله للمتوفى عنها زوجها نفقة حول ، والسكنى من مال المتوفى ، ثم نسخ ذلك نسخ أيضا عن الوارث» يريد أن الله لما نسخ وجوب ذلك في تركة الميت نسخ كل حق في التركة بعد الميراث ، فيكون الناسخ هو الميراث ، فإنه نسخ كل حق في المال على أولياء الميت.
وعندي أن التأويل الذي في «مدونة سحنون» بعيد لما تقدم آنفا ، وأن ما نحاه مالك في رواية أسد بن الفرات عن ابن القاسم هو التأويل الصحيح ، وأن النسخ على ظاهر المراد منه ، والناسخ لهذا الحكم هو إجماع الأمة على أنه لا حق في مال الميت ، بعد جهازه وقضاء دينه ، وتنفيذ وصيته ، إلّا الميراث فنسخ بذلك كل ما كان مأمورا به أن يدفع من مال الميت مثل الوصية في قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ) [البقرة : ١٨٠] الآية ، ومثل الوصية بسكنى الزوجة وإنفاقها في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ) يتربصن بأنفسهن [البقرة: ٢٤٠] ونسخ منه حكم هذه الآية وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث» هذا إذا حمل الوارث في الآية على وارث الميت أي إن ذلك