حق على جميع الورثة أيّا كانوا بمعنى أنه مبدأ المواريث. وإذا حمل الوارث على من هو بحيث يرث الميت لو ترك الميت مالا ، أعني قريبه ، بمعنى أن عليه إنفاق ابن قريبه ، فذلك منسوخ بوضع بيت المال وذلك أن هذه الآية شرعت هذا الحكم في وقت ضعف المسلمين ، لإقامة أود نظامهم بتربية أطفال فقرائهم ، وكان أولى المسلمين بذلك أقربهم من الطفل فكما كان يرث قريبه ، لو ترك مالا ولم يترك ولدا فكذلك عليه أن يقام ببينة ، كما كان حكم القبيلة في الجاهلية في ضم أيتامهم ودفع دياتهم ، فلما اعتز الإسلام صار لجامعة المسلمين مال ، كان حقا على جماعة المسلمين القيام بتربية أبناء فقرائهم ، وفي الحديث الصحيح «من ترك كلّا ، أو ضياعا ، فعليّ ، ومن ترك مالا فلوارثه» ولا فرق بين إطعام الفقير وبين إرضاعه ، وما هو إلّا نفقة ، ولمثله وضع بيت المال.
وقوله : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً) عطف على قوله (يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) لأنه متفرع عنه ، والضمير عائد على الوالدة والمولود له الواقعين في الجمل قبل هذه.
والفصال : الفطام عن الإرضاع ، لأنه فصل عن ثدي مرضعه. وعن في قوله : (عَنْ تَراضٍ) متعلقة بأرادا أي إرادة ناشئة عن التراضي ، إذ قد تكون إرادتهما صورية أو يكون أحدهما في نفس الأمر مرغما على الإرادة ، بخوف أو اضطرار.
وقوله : (وَتَشاوُرٍ) هو مصدر شاور إذا طلب المشورة. والمشورة قيل مشتقة من الإشارة لأن كل واحد من المتشاورين يشير بما يراه نافعا فلذلك يقول المستشير لمن يستشيره : بما ذا تشير عليّ كأنّ أصله أنه يشير للأمر الذي فيه النفع ، مشتق من الإشارة باليد ، لأن الناصح المدبر كالذي يشير إلى الصواب ويعينه له من لم يهتد إليه ، ثم عدي بعلى لما ضمن معنى التدبير ، وقال الراغب : إنها مشتقة من شار العسل إذا استخرجه ، وأيا ما كان اشتقاقها فمعناها إبداء الرأي في عمل يريد أن يعمله من يشاور وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] وسيجيء الكلام عليها عند قوله تعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) في سورة آل عمران [١٥٩] ، وعطف التشاور على التراضي تعليما للزوجين شئون تدبير العائلة ، فإن التشاور يظهر الصواب ويحصل به التراضي.
وأفاد بقوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) أن ذلك مباح ، وأن حق إرضاع الحولين مراعى فيه حق الأبوين وحق الرضيع ، ولما كان ذلك يختلف باختلاف أمزجة الرضعاء جعل