زوجها : «إنك عليّ لكريمة وإني فيك لراغب».
فأما إنك عليّ لكريمة فقريب من صريح إرادة التزوج بها وما هو بصريح ، فإذا لم تعقبه مواعدة من أحدهما فأمره محتمل ، وأما قوله إني فيك لراغب فهو بمنزلة صريح الخطبة وأمره مشكل ، وقد أشار ابن الحاجب إلى إشكاله بقوله : «قالوا ومثل إني فيك لراغب أكثر هذه الكلمات تصريحا فينبغي ترك مثله» ويذكر عن محمد الباقر أن النبيصلىاللهعليهوسلم عرض لأم سلمة في عدتها من وفاة أبي سلمة ، ولا أحسب ما روي عنه صحيحا.
وفي «تفسير ابن عرفة» : «قيل إن شيخنا محمد بن أحمد بن حيدرة كان يقول : «إذا كان التعريض من أحد الجانبين فقط وأما إذا وقع التعريض منهما فظاهر المذهب أنه كصريح المواعدة».
ولفظ النساء عام لكن خص منه ذوات الأزواج ، بدليل العقل ويخص منه المطلقات الرجعيات بدليل القياس ودليل الإجماع ، لأن الرجعية لها حكم الزوجة بإلغاء الفارق ، وحكى القرطبي الإجماع على منع خطبة المطلقة الرجعية في عدتها ، وحكى ابن عبد السلام عن مذهب مالك جواز التعريض لكل معتدة : من وفاة أو طلاق ، وهو يخالف كلام القرطبي ، والمسألة محتملة لأن للطلاق الرجعي شائبتين ، وأجاز الشافعي التعريض في المعتدة بعد وفاة ومنعه في عدة الطلاق ، وهو ظاهر ما حكاه في «الموطأ» عن القاسم بن محمد.
وقوله : (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) الإكنان الإخفاء. وفائدة عطف الإكنان على التعريض في نفي الجناح ، مع ظهور أن التعريض لا يكون إلّا عن عزم في النفس ، فنفي الجناح عن عزم النفس المجرد ضروري من نفي الجناح عن التعريض ، أنّ المراد التنبيه على أن العزم أمر لا يمكن دفعه ولا النهي عنه ، فلما كان كذلك ، وكان تكلم العازم بما عزم عليه جبلة في البشر ، لضعف الصبر على الكتمان ، بين الله موضع الرخصة أنه الرحمة بالناس ، مع الإبقاء على احترام حالة العدة ، مع بيان علة هذا الترخيص ، وأنه يرجع إلى نفي الحرج ، ففيه حكمة هذا التشريع الذي لم يبين لهم من قبل.
وأخر الإكنان في الذكر للتنبيه على أنه أفضل وأبقى على ما للعدة من حرمة ، مع التنبيه على أنه نادر وقوعه ، لأنه لو قدمه لكان الانتقال من ذكر الإكنان إلى ذكر التعريض جاريا على مقتضى ظاهر نظم الكلام في أن يكون اللّاحق زائد المعنى على ما يشمله الكلام السابق ، فلم يتفطن السامع لهذه النكتة ، فلما خولف مقتضى الظاهر علم السامع أن