نهى عن العزم مبالغة ، والمراد النهي عن المعزوم عليه ، مثل النهي من الاقتراب في قوله : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها) [البقرة : ١٨٧] وعلى هذين الوجهين فعقدة النكاح منصوب على نزع الخافض ، كقولهم ضربة الظهر والبطن ، وقيل ضمن عزم معنى أبرم قاله صاحب «المغني» في الباب الثامن.
والكتاب هنا بمعنى المكتوب أي المفروض من الله وهو العدة المذكورة بالتعريف للعهد.
والأجل المدة المعينة لعمل ما ، والمراد به هنا مدة العدة المعينة بتمام ، كما أشار إليه قوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) [البقرة : ٢٣٤] آنفا.
والآية صريحة في النهي عن النكاح في العدة وفي تحريم الخطبة في العدة وفي إباحة التعريض.
فأما النكاح أي عقده في العدة ، فهو إذا وقع ولم يقع بناء بها في العدة فالنكاح مفسوخ اتفاقا ، وإنما اختلفوا هل يتأبد به تحريم المرأة على العاقد أو لا؟ فالجمهور على أنه لا يتأبد ، وهو قول عمر بن الخطاب ، ورواية ابن القاسم عن مالك في «المدونة» ، وحكى ابن الجلاب عن مالك رواية أنه يتأبد ، ولا يعرف مثله عن غير مالك.
وأما الدخول في العدة ففيه الفسخ اتفاقا ، واختلف في تأبيد تحريمها عليه فقال عمر بن الخطاب ومالك والليث والأوزاعي وأحمد بن حنبل بتأبد تحريمها عليه ، ولا دليل لهم على ذلك إلا أنهم بنوه على أصل المعاملة بنقيض المقصود الفاسد ، وهو أصل ضعيف ، وقال علي وابن مسعود وأبو حنيفة والثوري والشافعي : بفسخ النكاح ولا يتأبد التحريم ، وهو بعد العدة خاطب من الخطاب ، وقد قيل : إن عمر رجع إليه وهو الأصح ، وعلى الزوج مهرها بما استحل منها ، وقد تزوج رويشد الثقفي طليحة الأسدية في عدتها ففرق عمر بينهما وجعل مهرها على بيت المال ، فبلغ ذلك عليا فقال : «يرحم الله أمير المؤمنين ما بال الصداق وبيت المال ، إنما جهلا فينبغي للإمام أن يردهما للسنة» قيل له : «فما تقول أنت»؟ قال : «لها الصداق بما استحل منها ويفرق بينهما ولا جلد عليهما» واستحسن المتأخرون من فقهاء المالكية للقاضي إذا حكم بفسخ نكاح الناكح في العدة ألا يتعرض في حكمه للحكم بتأبيد تحريمها ، لأنه لم يقع التنازع في شأنه لديه ، فينبغي له أن يترك التعريج عليه ، لعلهما أن يأخذا بقول من لا يرون تأبيد التحريم.