وقوله : (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) استثناء من المفعول المطلق أي إلا وعدا معروفا ، وهو التعريض الذي سبق في قوله : (فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ) فإن القول المعروف من أنواع الوعد إلا أنه غير صريح ، وإذا كان النهي عن المواعدة سرا ، علم النهي عن لمواعدة جهرا بالأولى ، والاستثناء على هذا في قوله : (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) متصل ، والقول المعروف هو المأذون فيه ، وهو التعريض ، فهو تأكيد لقوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ) الآية.
وقيل : المراد بالسر هنا كناية ، أي لا تواعدوهن قربانا ، وكنى به عن النكاح أي الوعد الصريح بالنكاح ، فيكون (سِرًّا) مفعولا به لتواعدوهن ، ويكون الاستثناء منقطعا ، لأن القول ليس من أنواع النكاح ، إذ النكاح عقد بإيجاب وقبول ، والقول خطبة : صراحة أو تعريضا وهذا بعيد : لأن فيه كناية على كناية ، وقيل غير ذلك مما لا ينبغي التعريج عليه ، فإن قلتم حظر : صريح الخطبة والمواعدة ، وإباحة التعريض بذلك يلوح بصور التعارض ، فإن مآل التصريح والتعريض واحد ، فإذا كان قد حصل بين الخاطب والمعتدة العلم بأنه يخطبها وبأنها توافقه ، فما فائدة تعلق التحريم والتحليل بالألفاظ والأساليب ، إن كان المفاد واحدا قلت : قصد الشارع من هذا حماية أن يكون التعجل ذريعة إلى الوقوع فيما يعطل حكمة العدة ، إذ لعل الخوض في ذلك يتخطى إلى باعث تعجل الراغب إلى عقد النكاح على المعتدة بالبناء بها ؛ فإن دبيب الرغبة يوقع في الشهوة ، والمكاشفة تزيل ساتر الحياء فإن من الوازع الطبيعي الحياء الموجود في الرجل ، حينما يقصد مكاشفة المرأة بشيء من رغبته فيها ، والحياء في المرأة أشد حينما يواجهها بذلك الرجل ، وحينما تقصد إجابته لما يطلب منها ، فالتعريض أسلوب من أساليب الكلام يؤذن بما لصاحبه من وقار الحياء فهو يقبض عن التدرج إلى ما نهي عنه ، وإيذانه بهذا الاستحياء يزيد ما طبعت عليه المرأة من الحياء فتنقبض نفسها عن صريح الإجابة ، بله المواعدة فيبقى حجاب الحياء مسدولا بينهما وبرقع المروءة غير منضى وذلك من توفير شأن العدة فلذلك رخص في التعريض تيسيرا على الناس ، ومنع التصريح إبقاء على حرمات العدة.
وقوله : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) العزم هنا عقد النكاح لا التصميم على العقد ، ولهذا فعقدة النكاح منصوب على المفعول به ، والمعنى : لا تعقدوا عقدة النكاح ، أخذ من العزم بمعنى القطع والبت ، قاله النحاس وغيره ، ولك أن تجعله بمعناه المشهور أي لا تصمموا على عقدة النكاح ، ونهي عن التصميم لأنه إذا وقع وقع ما صمم عليه. وقيل :