ومؤاساة ، والمؤاساة في مرتبة التحسيني ، فلا تبلغ مبلغ الوجوب ، ولأنها مال بذل في غير عوض ، فيرجع إلى التبرعات ، والتبرعات مندوبة لا واجبة ، وقرينة ذلك قوله تعالى : (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) فإن فيه إيماء إلى أن ذلك من الإحسان لا من الحقوق ، على أنه قد نفى الله الجناح عن المطلق ثم أثبت المتعة ، فلو كانت المتعة واجبة لانتقض نفي الجناح ، إلا أن يقال : إن الجناح نفي لأن المهر شيء معين ، قد يجحف بالمطلق بخلاف المتعة ، فإنها على حسب وسعه ولذلك نفى مالك ندب المتعة للتي طلقت قبل البناء وقد سمّى لها مهرا ، قال : فحسبها ما فرض لها أي لأن الله قصرها على ذلك ، رفقا بالمطلق ، أي فلا تندب لها ندب خاصا ، بأمر القرآن. وقد قال مالك : بأن المطلقة المدخول بها يستحب تمتيعها ، أي بقاعدة الإحسان الأعم ولما مضى من عمل السلف.
وقوله : (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) الموسع من أوسع إذا صار ذا سعة ، والمقتر من أقتر إذا صار ذا قتر وهو ضيق العيش ، والقدر ـ بسكون الدال وبفتحها ـ ما به تعيين ذات الشيء أو حاله ، فيطلق على ما يساوي الشيء من الأجرام ، ويطلق على ما يساويه في القيمة ، والمراد به هنا الحال التي يقدر بها المرء في مراتب الناس في الثروة ، وهو الطبقة من القوم ، والطاقة من المال ، وقرأه الجمهور بسكون الدال ، وقرأه ابن ذكوان عن ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وأبو جعفر بفتح الدال.
وقوله : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) مبتدأ محذوف الخبر إيجازا لظهور المعنى ، أي فنصف ما فرضتم لهن بدليل قوله : (وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَ) لا يحسن فيها إلا هذا الوجه. والاقتصار على قوله : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) يدل على أنها حينئذ لا متعة لها.
وقوله : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) استثناء من عموم الأحوال أي إلا في حالة عفوهن أي النساء بأن يسقطن هذا النصف ، وتسمية هذا الإسقاط عفوا ظاهرة ، لأن نصف المهر حق وجب على المطلق للمطلقة قبل البناء بما استخف بها ، أو بما أوحشها ، فهو حق وجب لغرم ضر ، فإسقاطه عفو لا محالة ، أو عند عفو الذي بيده عقدة النكاح.
وأل في النكاح للجنس ، وهو متبادر في عقد نكاح المرأة لا في قبول الزوج ، وإن كان كلاهما سمي عقدا ، فهو غير النساء لا محالة لقوله : (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) فهو ذكر ، وهو غير المطلق أيضا ، لأنه لو كان المطلق ، لقال : أو تعفو بالخطاب ، لأن قبله (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَ) ولا داعي إلى خلاف مقتضى الظاهر.